الكاتب: محمد شفيق غربال
الناشر: مجلة الهلال
تاريخ النشر: نوفمبر 1956
المناسبة: سؤالين من مجلة الهلال: 1- هل تعتقد أن المستقبل لحرية الشعوب وأن عصر الاستعمار قريب الزوال؟ وما الذي تبنون عليه رأيكم في ذلك؟ 2- ما رأيكم في مستقبل الإمبراطورية البريطانية وهل سيكون مصيرها مصير الإمبراطوريات التي ظهرت في التاريخ ثم اختفت كالإمبراطورية الرومانية؟
إن حق الشعوب في الحرية أمر مقرر لا شك فيه، وإن المستقبل كفيل بذلك. والاستعمار ليس سوى صورة للاستغلال؛ استغلال شعب قوي لخيرات شعب ضعيف والتحكم فيه بعد ذلك. ومن رأيي أن الاستغلال سوف ينتهي حتمًا نتيجة لنضال الشعب الذي يستغل غيره خيراته.
وأنا لا أُنكِر أن العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر علاقة قديمة وسوف تقف هذه العلاقة، بل سوف تتلاشى نتيجة لقوة الوعي القومي والرغبة في الحرية والتمرد. وقد بنيت رأيي هذا على طبيعة الأشياء وسُنة الحياة والتطور، فلن يستمر استعمار يزهد فيه المستعمر، ولن تضيع نتائج شعب مكافح مهما وقفت القوة في طريقه، فالنصر للحق والحق دائمًا غلَّاب.
أما عن السؤال الثاني فإن مستقبل الإمبراطورية البريطانية يتطور الآن إلى شيء آخر. وسر تطور الإمبراطورية العجوز هو أنها قد أنهكت نفسها بوسائلها الاستعمارية القديمة، وأيقظ هذا الإنهاك روح النضال في الشعوب التي استعمرتها طويلًا. والنتيجة الطبيعية لهذا الإمبراطورية هو أن ظلها سوف يتقلص ويتلاشى سلطانها وتفقد هيبتها وتذهب سُمعتها بددًا.
إن كل وضع خاطئ لا يمكن أن يدوم. والإمبراطورية البريطانية حينما تستعبد شعبًا وتغتصب خيرات هذا الشعب وتستغل موارده، إنما تغتصب حقًّا ليس لها وتسلب صاحب الحق حقه المقرر؛ ولهذا ستُجبَر في يوم من الأيام على رد ما استغلته وإعادة ما اغتصبته إلى صاحب الحق الأصلي، وهذا ما حدث وسوف يحدث بالنسبة لكثير من الشعوب التي سطت عليها الإمبراطورية البريطانية.