أصبحت مادة الدين من الدروس المقررة التي تنتظم مدارس القطر في تعليمها من ابتداء السنة المكتبية المقبلة.
وتقرير هذه المادة مهم في تاريخ تربيتنا الوطنية، ولكن الأهم منه فيما نعتقد هو طريقة التعليم التي يتلقى بها التلاميذ آداب الدين.
فقد يتوقف على الطريقة اختلاف النتيجة من النقيض إلى النقيض لأننا رأينا أناسًا قد «تعلموا تعليمًا دينيًّا» على صورة من الصور وليس في سلوكهم ولا في أعمالهم دليل على أنهم يعرفون الدين أو يعرفون الخلق الكريم.
ورأينا أناسًا فسروا الدين تفسيرًا ينقصه وفهموا القرآن الكريم أبعد فهم عن مقاصده ومعانيه، وتعمدوا أن يدخلوا في روع الجهلاء أن «الديانة» قتل وتخريب وإجرام، وكأنما أنزلت الكتب السماوية ليستخرج منها فريق من الناس فتاوى وأحكامًا تبيح لهم قتل هذا واتهام ذاك كلما اختلفت الغايات والأهواء.
فليس تقرير مادة الدين هو المهم، وإنما المهم هو اختيار الطريقة التي يهتدي بها الناشئ إلى التدين الصحيح.
المهم هو غرس الآداب الدينية وتدعيم قواعد الإيمان في ضمائر الناشئين.
وخلاصة الآداب الدينية كلها أمران: هما الإيمان بواجب فوق المصالح الشخصية والنزوات الوقتية واعتبار الدين عاطفة إنسانية تقوم العلاقة بها بين الناس على المودة والإخاء وتستأصل من النفوس جذور العداوة والبغضاء.
والناشئون يفهمون الدين هذا الفهم إذا تلقوه «أمثلة حية» يشعرون بها ويمزجونها بخوالج الضمير والوجدان، ولا يتبرمون بها كما يتبرمون بكل محفوظ لا يفقهون له علة ولا يجيلونه من خواطرهم في مجال العاطفة والإحساس.
الدين بعبارة وجيزة معتقدات ضمير ومحسوسات حياة، قبل أن يكون محفوظات ذاكرة وفروض إلزام وتقدير لا يمتزج بالفهم والشعور.
ولهذا يجب التعويل فيه على الضمير قبل الذاكرة، وأن تكون الأمثلة الحية فيه مقدمة على النصوص والحروف.
وما دام الناشئ لا يحفظ القرآن الكريم كله فليكن اختيار المحفوظات القرآنية إذن جامعًا لأكبر الفوائد التي تستفاد من العلم بآداب القرآن وبلاغة ألفاظه ومعانيه.
لتكن هذه المحفوظات جملة من الآيات الكريمة التي تصور للناشئ آداب دينه وحكمة أوامره ونواهيه، وتقترن بها الأحاديث النبوية الشريفة التي تساعده على تفسير القرآن الكريم وتوضيحه، وتعطيه المثل الإنسانية العليا كما تمثلت فعلًا وعملًا في حياة الرسول العظيم وحياة صحبه الأمناء.
ومن اللازم تحفيظ سورة واحدة على الأقل لتمكين الناشئ من إدراك نسق القرآن الكريم وتعويده الحفظ إذا شاء الاستزادة منه باختياره.
وهذه في رأينا هي أنفع طريقة للإحاطة بالمزايا القرآنية في سن التعليم الباكرة.
ففي هذه السن لا يستطيع الناشئ أن يستوعب القرآن كله، ولا يستطيع إذا استوعبه كله أن يفهمه ويتتبع شروحه وتفسيراته؛ فليس أنفع له من الاختيار الذي يدل على «الكل» أوفى دلالة.
أما اقتطاع جزء من القرآن الكريم فهو تجزئة موقوفة على المصادفة حسب الاختيار من أول المصحف الشريف أو آخره، وليس هو من قبيل الاختيار المرتبط بموضوعات الأحكام والآداب في أوسع نطاق مستطاع.
ليكن درس الدين على أية حال درس حياة وذوق وإدراك، ولا يكن في نظر الطالب الناشئ ضريبة مفرضة عليه يساق إلى أدائها وهو يحس بالعنت والإكراه.
ولهذه المناسبة — مناسبة الدروس الدينية — نهنئ صاحب المعالي وزير المعارف برضى العقلاء عن سياسته في شؤون الأخلاق والسلوك، ونحسب أنه — وهو المصري الصميم — يعرف كيف يوطن النفس على «النكتة المصرية» التي لا تفارق في بلادنا موضوعًا من الموضوعات تكثر فيه أحاديث الجماهير.
ونقول أننا — مع إعطاء هذه النكتة حقها وليس أكثر من حقها — لا نقر الحجر على الرقص التوقيعي لاشتراكه في الاسم مع ضروب الرقص التي تمنعها الآداب وتعافها الأذواق.
فالرقص التوقيعي، كرقص الحرب، تمرين رياضي لا مشابهة بينه وبين الرقص على اختلاف أنواعه عند الشرقيين أو الغربيين.
وقد شاهدنا في الحجاز «رقصة الحرب» التي يوقعها المجاهدون النجديون وهم أشد المتشددين في التزام حدود الدين الحنيف، فرأينا حركات رياضية — عسكرية ليس فيها من الرقص غير حروفه، وكلها بعد ذلك قوة وعزة ووقار.
والرقص التوقيعي على هذا المثال تمرينات رياضية لا يأبى الوالد أن يرى بناته يؤدينها أمامه في بيته، ولا يأبى الأزواج المسلمون الغيورون أن يشهدوه مع الزوجات المسلمات المهذبات.
ومن المصلحة — ونعني المصلحة الدينية — ألا يثبت في اعتقاد الناشئين والناشئات أن دينهم ينهى عن هذه الرياضة البريئة، وهذا التمرين المفيد.