من الأوهام التي جعلت بعض الناس يظنون أن الانتماء إلى الشيوعية مقصور — أو ينبغي أن يكون مقصورًا — على الفقراء والمعوزين. أن أولئك الواهمين يعتقدون أن الشيوعية دعوة إلى إنصاف الأجراء والعمال.
وهذا هو الوهم الأكبر في فهم هذا المذهب.
وهذا هو سبب الحيرة التي يحارها بعض الناس كلما سمعوا أن صهيونيًّا مرابيًا يبشر بالشيوعية وهو آخر من يبالي بإنصاف الفقير وآخر من يفكر في الرأفة بالضعيف؛ أو كلما سمعوا أن غنيًّا ميسور الحال يحارب النظام الاجتماعي خدمة للدعوة الشيوعية، أو كلما سمعوا أن فتاة تتعصب للشيوعية وهي من العاكفات على اللهو والمجون.
ومصدر هذه الحيرة كما تقدم هو الخطأ في فهم الغرض الأصيل من الشيوعية، واعتقادهم أن غرضها الأصيل هو إنصاف العامل والأجير.
وليس إنصاف العامل والأجير غرضًا أصيلًا في دعوة كارل ماركس الذي كان هو نفسه «صهيونيًّا» لم يعرف عنه قط في حياته أنه رحم أحدًا من الناس أو تأثر بعاطفة إنسانية.
وإنما كان غرضه الأصيل هو إثبات العقيدة المادية وتحطيم كل عقيدة أدبية أو روحانية، ومن هنا كان اسم مذهبه المشهور بين مذاهب الفلسفة «المادية الثنائية».
ومن هنا كان الصهيونيون مبشرين بالشيوعية، وكان من أنصار الشيوعية كل فاسد الطبع مبتلى بداء الإباحة والابتذال، منطوي النفس على الرذيلة، كما كان من أنصارها كل ناقم على الدنيا يود لو يخربها على من فيها لعاهة جسدية فيه أو عاهة نفسية شر من عاهات الأجسام.
ومتى كانت الشيوعية كذلك فلا عجب في أن يدين بها المرابون الصهيونيون الذين يستنزفون دماء الفقراء قبل الأغنياء، لأن تحطيم عقائد الأديان والأوطان وقيام العقائد المادية يسلم زمام الدنيا إلى المرابين وسماسرة الأموال فيصبح العالم البشري كله صهيونيًّا للصهيونيين.
ولا عجب في أن يدين بها الفتى الإباحي والفتاة الإباحية، لأن المذهب يسوغ لهما النقيصة التي ابتليا بها، ويجعل أمثالهما من «التقدميين الأحرار» بدلًا من وصمة الخسة والابتذال التي يوصمون بها إذا بقيت للناس عقائدهم في الأديان والأخلاق.
ولا عجب في أن يدين بها أشخاص يبغضون الدنيا ومن فيها ولا يعنيهم صلاحها وفسادها، ولا سيما المشوهين وأصحاب العاهات والمدنسين والمنبوذين لأن شهوة الخراب في نفوسهم تحبب إليهم كل دعوة تجعل عاليها سافلها وسافلها عاليها، وتنعي الدار ومن بناها.
فالشيوعية هي مذهب النقمة والإباحة وقلب الأوضاع، وهي من ثم ملتقى المخربين وذوي العاهات الجسدية والنفسية، ولا عجب في اجتذابها لعناصر الفساد والخسة أيًّا كانت مصادرها، سواء بين المترفين الميسورين أو بين المعوزين المعدمين.
والشيوعي أول من يغضب ويشعر بالإخفاق والفشل إذا صلحت أحوال الفقراء والأجراء بغير قيام «العقيدة المادية» …
لأن قيام العقيدة المادية هو الغرض الأصيل والوجهة الأولى التي اتجه إليها كارل ماركس حين بشر بدعوته الخبيثة.
ولهذا يستميت الشيوعيون في محاربة كل حكومة تعنى بالإصلاح وتيسير أسباب المعيشة كما يفعلون الآن في الهند وأقطار آسيا الشرقية وهي الأقطار التي يعمل زعماؤها على تقريب الطبقات والحد من مطامع المستغلين وأصحاب الأموال …
وأول من يبتئس ويحزن إذا استراح الأجراء والفقراء هم طغمة الشيوعيين، لأنهم يريدون أن يظل الأجراء والفقراء متذمرين متبرمين مستعدين لقبول دعوة التخريب والإباحة والتمرد على الأديان والآداب، ويحزنهم ويذهب بجميع مساعيهم أن يشعر هؤلاء بالرضا ويسر المعيشة والاطمئنان.
لقد كانت آخر كلمة في منشور كارل ماركس المشهور باسم «المانفستو»: … إنكم يا صعاليك العالم لا تفقدون شيئًا.
ومعنى ذلك أنه يريد دائمًا أن يخاطب أناسًا لا يعنيهم خراب العالم، لأنهم إذا خربوه لم يفقدوا شيئًا فيه.
والخراب هو الغرض المقصود. إذ كان العالم الذي تهدمت أركانه وتقوضت دعائم الاجتماع والأخلاق فيه، هو العالم الذي يملكه الماديون وسماسرة الأموال، بغير عائق من أدب أو خلق أو دين.
ومن هم الماديون وسماسرة الأموال؟
هم أبناء جلدة كارل ماركس من الصهيونيين.
أما الوهم الذي تسرب إلى بعض الأذهان عن دعوة الشيوعيين إلى أنصاف الأجراء فمصدره أنهم يفسروه كل شيء في المجتمع الإنساني بأسباب تتعلق «بالفلوس» دون غيرها.
فالفلوس عندهم هي التي أوجدت الأديان والفنون والأخلاق لخدمة الطبقة الحاكمة!
والفلوس هي التي أوجدت طبقة الفرسان ثم طبقة الإقطاعيين ثم طبقة البرجوازيين، ثم طبقة العمال والأجراء.
فليست مسألة العمال والأجراء عندهم إلا نتيجة لتطبيق الفلسفة المادية والعوامل الاقتصادية.
وهي كلها ذنب في المذهب يأتي آخرًا وليست هي الرأس الأصيل الذي يأتي أولًا وبالذات كما يقولون.
وإنما الرأس الأصيل هو سيادة المادة وبطلان العقائد الأدبية والروحية.
ومن ثم لم يكن هناك عجب أن ترى صهيونيًّا يبشر بالشيوعية أو ماجنًا يبشر بالشيوعية، أو ناقمًا يبشر بالشيوعية …
لأنها بطبيعتها مذهب أصحاب العاهات، سواء ما كان منها عاهة جسوم أو عاهة نفوس.