يحتفل به المصريون ويشترك فيه الأوربيون، ولا فرق فيه بين الأديان والأجناس، لأنه أقدم من جميع الأديان الكتابية، ومرجعه إلى الطبيعة التي يتساوى لديها جميع الناس.
احتفلت به مصر قبل دعوة موسى وعيسى ومحمد عليه السلام؛ فهو عيد لا اختلاف فيه بين دين ودين.
والأصل فيه أنه احتفال بخيرات السنة الجديدة، أو احتفال بمطلع الربيع.
فكل شعائره مستمدة من الزروع والضروع.
يأكل الناس فيه البقل الأخضر والنبت الأخضر، ويأكلون الخبز فطيرًا غير مختمر تمثيلًا لمعنى الجدة والتبكير، ويديرون المائدة على لحم حمل من نتاج العام، ويصبغون البيض بالألوان، لأنه رمز الولادة والحياة، ويتهادون سعف النخيل مضفورًا وغير مضفور، ويتبادلون التهنئة بالأزهار والرياحين.
هو احتفال بالسنة الجديدة.
ومن ثم كان أقدم احتفال لأن السنة تتجدد بغير انقطاع، فهو جديد على الدوام، قديم على الدوام.
وكما احتفلت به مصر قبل عشرات القرون، تحتفل به اليوم. فلا ترى فيه شعيرة من الشعائر ترجع إلى شيء غير الابتهاج بمقدم الربيع.
وكان له عند المصريين الأقدمين موعد لا يتغير؛ وهو موعد حلول الشمس في برج الحمل، أي موعد اعتدال الربيع، ويوافق فيما مضى نهاية شهر برمهات.
وهو موعد تضعه التقويمات الحديثة بين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر مارس وتكاد تتفق في هذا الموعد مع التقويم المصري القديم.
أما اختلاف الموعد الذي يأتي فيه شم النسيم في أيامنا هذه فقد حدث بعد ارتباطه بمواعيد الصيام عند الطوائف المسيحية، وزيادة الجمعة التي تسمى بجمعة «هرقل» تكفيرًا عن اقتصاصه من اليهود.
وفي ذلك أيضًا هو جديد قديم.
ففيه أثر من قضية فلسطين التي تشغلنا اليوم.
وفيه دليل على أن الأيام تتغير …
والصهيونيون وأسلاف الصهيونيين لا يتغيرون.
أغار الفرس على بيت المقدس فأعانهم اليهود على تخريب الكنائس والتنكيل بالمسيحيين.
ثم ذهب هرقل بعد جلاء الفرس يتفقد البلاد، فخف إليه اليهود قبل نزوله بالمدينة، وحملوا إليه نفائس الأموال يضرعون إليه أن يؤمنهم على حياتهم وأموالهم ويحميهم من الترات، ومن غوائل ما اجترحوه في عهد الغارة الفارسية.
وكان هرقل لا يعلم ما اجترحوه فبسط لهم الأمان، ثم ندم على تأمينه إياهم بعد وصوله إلى بيت المقدس وعلمه بما كان على أيديهم وبإغرائهم وتحريضهم من فظائع التخريب والتنكيل.
فكان تكفير يمينه فرض الصيام جمعة على المسيحيين بعد الصيام الكبير، ودخل حساب ذلك كله في تقدير ميقات العيد وميقات شم النسيم.
***
يوم جديد قديم.
يعود اليوم والصهيونيون يطلبون بيت المقدس لأنفسهم ويسألون العالم كرهًا أن يأتمنهم على أهله من المسيحيين والمسلمين!
أعجوبة من أعاجيب الجهل والنسيان.
وأعجب العجب أن يكون في ساسة العالم، ومن قراء التوراة، من يجهل هذا الجهل وينسى هذا النسيان.
فيوم نادت عصابة تل أبيب «بدولة إسرائيل» قلنا أن هذه التسمية وحدها دليل على مطمع اليهود فيما وراء هذه الدولة.
لأن مملكة إسرائيل في عرف القوم شطر ناقص تتممه دولة يهودا في صهيون، أو دولة يهودا في بيت المقدس عند هيكل سليمان.
وساسة الغرب العظماء يعجبون الآن لأن الصهيونية تأبى تدويل القدس وتصر على الإباء، كأنما هذا الأمر كشف جديد لم يكن واضحًا بينا يوم اختار القوم لعصابتهم اسم «مملكة إسرائيل».
ولو أن الساسة العظماء اصطنعوا شيئًا من الأناة قبل اعترافهم بإسرائيل لكان هذا الاعتراف الآن غاية ما يطمع فيه اليهود، وكانوا يرجئون الطمع في القدس على الأقل إرجاءً يقصر أو يطول.
ولكنهم أمنوهم كما أمنهم هرقل.
وسيندمون كما ندم، ويحملون الكفارة يومئذ وزرًا ثقيلًا أمام بني الإنسان.