لا أدري ما هي المناسبة التي دعت إلى نشاط حركة المطالبة بإعطاء المرأة حقوق الانتخاب والنيابة في الوقت الحاضر.
ولا أظن أن هذه المناسبة هي اقتراب موعد الانتخاب في أواخر السنة الحاضرة، فليس من الميسور أن يصدر القانون المطلوب في هذه الدورة، سواء كان ذلك يستلزم تعديلًا في نصوص الدستور أو لا يستلزمه، ثم يتم إعداد الجداول التي تسجل أسماء الناخبات بمقتضى هذا القانون قبل إجراء الانتخاب للبرلمان الجديد.
وأيًّا كانت المناسبة التي دعت إلى نشاط تلك الحركة فالمسألة موضع نظر ومناقشة، وقد تناولها نخبة من الفضلاء والأعلام بين معارضة وتأييد، وفي طليعتهم صاحب المعالي عبد العزيز فهمي باشا وهو معارض، وصاحب المقام الرفيع عبد العزيز عزت باشا والأستاذ الجليل محمد فريد وجدي بك، وهما مؤيدان.
قال شيخ القضاة عبد العزيز فهمي باشا «إن عائشة أم المؤمنين وهي من شهيرات النساء في الإسلام ذهبت تحرض بعد مقتل عثمان على مقاتلة علي فجاءت إلى سودة زوج النبي وطلبت إليها اصطحابها إلى العراق لمحاربته فقالت لها سودة: يا عائشة! لو أن محمدًا كان حيًّا لقال: دعي عنك هذا، وردد قوله تعالى ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾.
ثم قال معاليه: «إن حاجتنا إلى تكريس النساء وقتهن لتربية جيل من الرجال يعي حقوقه السياسية ويتشبث بالمحافظة عليها، وبذلك تكون المرأة المصرية قد ساهمت من طريق غير مباشر في تدعيم الحياة السياسية».
ورأينا في حقوق المرأة الانتخابية يطابق هذا الرأي من جميع الوجوه، ونزيد عليه أن المثل الذي أشار إليه معاليه — وهو مثل السيدة عائشة رضي الله عنها — يدل على البواعث التي تغلب على المرأة كائنًا ما كان حظها من الفضل والتقوى حين تتصدى للسياسة: وهي بواعثها النفسية! فإن نقمة السيدة عائشة من الإمام علي رضي الله عنه لأنه أشار على النبي عليه السلام بتطليقها ظلت عميقة الأثر في نفسها نحو عشرين سنة، وقد يضاف إلى ذلك أنه زوج السيدة فاطمة بنت السيدة خديجة، وهي زوج النبي التي كانت عائشة تغار منها بعد موتها أشد من غيرتها من زوجاته الباقيات بقيد الحياة.
هذا والسيدة عائشة هي ما هي من الفضل والذكاء والأدب والتقوى والعلم ببيئة النبي والرواية عنه في جملة أحكام الدين.
أما رأي صاحب المقام الرفيع عبد العزيز عزت باشا في دخول المرأة البرلمان فهو مستمد من رأي رفعته في اختيار الرجال الذين يمثلون الأمة.
ونحن نعتقد أنه لو حسن الاختيار لأمكن وجود سيدات فضليات يتولين الوزارة كما يتولين النيابة.
ولكن العقدة كلها هي في ضمان حسن الاختيار.
فلو كان الحاكم يحسن اختيار من يراقبه ويحاسبه ويتأتى له أن يعتمد في ذلك على ترشيح الوظائف والمناصب لاستغنى عن المراقبة والمحاسبة، أو استغنى بعبارة أخرى عن برلمان الاختيار وبرلمان الانتخاب.
وإذا حُلَّت هذه العقدة على الوجه الأمثل فقد حُلّت عقدة الحكم واستقام الأمر على وضع كل شيء في موضعه من حيث العلاقة بين الحاكمين والمحكومين.
ويتلخص رأي الأستاذ الجليل محمد فريد وجدي بك، في أمرين — أحدهما إن الدين الإسلامي لا يحرِّم على المرأة ولاية الشؤون العامة، وثانيهما أننا أبحنا للنساء التبرج والظهور في الطرقات والحفلات فأولى من ذلك أن نبيح لهن دخول البرلمان.
ولسنا نبحث في التحريم والتحليل هنا من الناحية الشرعية الإسلامية، لأننا في غنى عن ذلك بتقرير حقيقة لا خلاف عليها: وهي أن عدم التحريم لا يوجب حقًّا من الحقوق.
أما إباحة التبرج والظهور في الطرقات والحفلات فليس علاجه إباحة الاشتراك في المعارك الحزبية والاشتباك بمعضلات السياسة في هذا الزمن خاصة، وهو زمن يتعرض فيه السياسي لكل نوع من أنواع الخصومة في مذاهب الفكر ومذاهب الاجتماع ومذاهب الاقتصاد.
والسيدات الفضليات اللائي كتبن في هذا الموضوع يرددن كلمة لا معنى لترديدها في مصر على الخصوص على ما نرمي.
وكلمتهن هذه هي: كيف تعطي خادمك حق الانتخاب وتحرم منه زوجتك وأختك؟
ونقول أن هذه الكلمة قد تُردد في بعض البلاد الأوربية ولكنها لا تفيد شيئًا إذا رددت في البلاد المصرية …
لأن الدستور المصري يحرم انتخاب أمراء الأسرة المالكة ونبلائها في كلا المجلسين.
وإذا أجاز تعيينهم فالقانون لا يجيز التعيين ولا الانتخاب بالنسبة إلى الضباط وصف الضباط والجنود في الجيش أو في البحرية أو في البوليس أو في خفر السواحل أو في أية هيئة من الهيئات ذوات النظم العسكرية.
والضابط المصري رجل مثقف يجمع بين التربية القانونية والتربية النظامية، ولكنه في مدة العمل لا يجوز له من حقوق الانتخاب ما يجوز لخادمه الذي قد يجهل القراءة والكتابة، حرصًا على نظام الجيش لا استكثارًا لحق الانتخاب على طبقة من خيرة المثقفين المصريين.
ومن المعلوم أن الجاهل الأمي يملك من حق الانتخاب ما يملكه أكبر العلماء، فهو لا ينال هذا الحق بعلم يساوي به من نعترف لهم بالتفوق في العلوم.
فإذا اعترض المعترضون على اشتراك النساء في المعارك الحزبية فليس من اللازم أنهم يستكثرون الانتخاب على طاقة المرأة العلمية، ولكنهم يعترضون لأن طاقة المرأة لازمة فيما هو أنسب لها وأجدر بعنايتها، ولا يقل في جلالة شأنه عن دخول البرلمان، وهو رعاية البيت والأسرة والقيام على تربية الجيل الجديد.
ولا محل هنا لذكر الأمم التي سمحت للمرأة بدخول المرلمان، فإن المتفق عليه أن الأسرة الأوربية في العصر الحاضر على أسوأ حال من التصدع والانحلال، وربما كانت هذه الحالة السيئة هي العلة الكبرى لاضطراب الأمور هناك في العصر الحديث.
على أن حق الانتخاب لم يعطِ المرأة قط عددًا من كراسي البرلمان يكفل لها تقرير مشروعاتها بكثرة الأصوات في مجالس تلك الأمم.
فكل ما تعتمد عليه — إن اعتمدت على شيء — فهو إقناع المخالفين وحسن رغبتهم في الاقتناع، وهي تملك من وسائل الإقناع خارج البرلمان ما تملكه داخل البرلمان.
إن مشروعات الإصلاح التي تقدر عليها المرأة، ولا يساويها الرجل في القدرة عليها، لا تزال عندنا من الكثرة بحيث تستغرق جهود السيدات المثقفات عشرات السنين.
هناك مشروعات البر والإحسان. هناك مشروعات الصحة والتعليم. هناك مشروعات الرحمة والمواساة. وهناك قبل كل شيء تنظيم البيت ورعاية الأسرة وإنشاء البنين والبنات على النشأة الحسنى في مضطرب العقائد والأخلاق.
وليس قيام المرأة بهذه الرسالة الكريمة أقل في مجهوده الإنساني من عمل النيابة أو عمل الأحزاب.
فإذا قيل للمرأة المهذبة إنكِ أحق بهذه الرسالة فليس من اللازم أن نستكثر عليها كفاءة النيابة، لأننا لا نصغر من شأن الرجل حين نقول أن المرأة أحق منه بتلك الرسالة الإنسانية.
ولولا «مركب النقص» الذي يخيل إلى بعض السيدات أنهن لا يساوين الرجل إلا إذا عملن كل ما يعمل لما خطر لهن أن عمل المرأة وحده في خدمة المجتمع لا يكفي لتقديرها ولا يزال في حاجة إلى مزيد عليه.