قرأت في الصحف أن وزارة المعارف شكلت لجنة من رجال الدين والتربية لتعديل النظام المتبع في تعليم الدين وتحفيظ القرآن الكريم بالمدارس الأميرية وغيرها من المدارس التي تجري على برنامجها.
ونعتقد أن برنامج التعليم في هذه المادة متفق على أساسه بين جميع المعنيين بالتربية الدينية.
فأيًّا كان الأسلوب الذي يتبع في التعليم الديني فالدروس الدينية الواجبة هي باتفاق الآراء تلك الدروس التي تشتمل على المطالب الآتية:
1– الفرائض والأحكام المطلوبة من كل مسلم.
2– أخلاق الإسلام كما تستمد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
3– وظيفة الدين الاجتماعية.
ووظيفة الدين الاجتماعية هي المطلب الذي يناط بالدولة حين تتولى مهمة التعليم. لأن الدولة أول من يطالب بتقرير الآداب الاجتماعية.
وينبغي أن يلاحظ في تعليم وظيفة الدين الاجتماعية أن يمنع كل لَبْس يؤدي إلى سوء فهم الدين من هذه الناحية.
فإن الدين إذا أسيء فهمه من هذه الناحية خاصة بطلت كل فائدة من تعليم الفرائض والأحكام أو تعليم الأخلاق والآداب.
لأننا قد رأينا كيف تعمد بعض المغرضين أن يضلل الجهلاء بفكرة خاطئة لم يفهموها أو لم يقصدوا تفهيمها على الوجه الصحيح …
فاستباحوا القتل والتخريب والفتنة وإشاعة الفوضى بين الناس لأنهم قد قيل لهم أن كل مسلم يستطيع أن يدعي لنفسه وظيفة الدولة في إقامة الأحكام والتصرف بالأرواح والأموال!
وهؤلاء المخدوعون — على جهلهم — لا يخفى عليهم أن القتل جريمة منكرة في شريعة الإسلام، وأن الفتنة إفساد في الأرض يستحق في الشريعة الإسلامية أشد الجزاء.
ولكنهم قد ملكتهم الخدعة من ناحية واحدة وهي سوء فهم الدولة الإسلامية وسوء فهم الحق الذي يخول المسلم أن ينهض بولايتها كما يشاء وحيث يشاء.
فمما لا شك فيه أنه لا يوجد دين من الأديان — والإسلام في مقدمتها — يسمح لمن يدين به أن يكون متهمًا وشاهدًا وقاضيًا ومشرعًا ومفسرًا للشريعة في وقت واحد.
ولو جاز ذلك لأحد لجاز للنبي عليه السلام، وهو صاحب الدعوة وملقن الشريعة وأولى الناس أن يستأثر بالتشريع والقضاء والتنفيذ.
ومع هذا جاءه رجل يعترف على نفسه بالزنا فراجعه في اعترافه غير مرة.
راجعه في اعترافه غير مرة وهو النبي الذي يتنزل عليه الوحي والذي يعتقد كل مسلم أنه يستلهم الغيب ويتلقى العلم من الله ويسأله أن يكشف له عن خفايا الصدور.
ولكنه عليه السلام علم أنه في مقام التشريع وسن القدوة لأئمة الإسلام من بعده، ومنهم أصحابه الخلفاء الراشدون.
فلم يحاسب الرجل بما يعلمه النبي أو بما يجوز أن يعلمه.
ولم يحاسبه بأول ما بدر من اعترافه، ولم يكتف بمراجعته في اعترافه على نفسه مرة أو مرتين،
بل حاسبه وهو يتولى درء الشبهات عنه، وأوجب على أتباعه في كل قضية يدان بها «المسلم العاصي» بأن يدرأوا الحدود بالشبهات.
فإذا كان النبي صاحب الدعوة المعصوم يأبى أن يجيز لنفسه أن يكون مشرعًا ومتهمًا وقاضيًا على معترف بذنبه فليس في وسع أحد أن يزعم لنفسه أنه يملك ما لا يملكه الأنبياء لأنه يلفظ بكلمة لا يفهمها وهي أن الإسلام دولة ودين.
ولو كان معنى الدولة في الإسلام أن يستبد كل مسلم بفهم الدين وتوقيع أحكامه كما يشاء، لأصبحنا في مجتمع لا يأمن فيه أحد على نفسه من مخالفيه.
فقد اختلف المسلمون في أحكام الطلاق كما اختلفوا في تعريف الخمر وغيرها من المحرمات. فلو جاز لمن يفهم الطلاق على وجه من الوجوه أن يعتبر المرأة مطلقة في عصمة رجلها لأصبح المجتمع الإسلامي مقتلة تستباح فيها الدماء والأعراض باسم الإسلام دون أن يعرف أحد من يدينه ومن يقضي عليه.
وقد أوردنا هذا المثل لنقول أن تعليم الأحكام والفرائض بغير تعليم الوظيفة الاجتماعية التي يتولاها الدين غير كافٍ ولا نافع، بل لعله ينقلب من قلة النفع إلى الضرر الجسيم.
فإن الجريمة التي يحرمها الدين تصبح واجبًا مفروضًا باسم الجهاد في سبيل الله إذا أسيء فهم هذه الوظيفة الاجتماعية، فيرتكب المضلل المخدوع جريمته وهو يزعم لنفسه أنه مجاهد مثاب.
كذلك يزعم المفسدون أن من حقهم أن يتصرفوا في شؤون السياسة والمصالح العامة كما يحبون ويتخيلون.
ونقول مرة أخرى أنه لو جاز ذلك لأحد لجاز لصاحب الدعوة المعصوم في تبليغ دعوته حين يتصرف في الشؤون الدنيوية.
ومع هذا يعلم المسلمون أن صاحب الدعوة عليه السلام نهى المسلمين عن أبر النخل في سنة من السنين فلم يثمر في تلك السنة، فعدل عليه السلام عن نهيه وقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
وليس لمسلم بعد ذلك أن يزعم لنفسه أنه يعلم شؤون الدين والدنيا جميعًا لمجرد كلمة يلفظ بها ولا يفقه معناها … وهو لا يدري ما هو الدين وما هي الدنيا.
وفحوى ما تقدم أن التعليم الذي يناط بالدولة لا يصح أن يخلو من هذه الدروس خاصة لأنها هي الدروس التي تتضح بها وظيفة الدين الاجتماعية، ويتعلق بها فهم الفرائض والأحكام.
أما طريقة تحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية فهي تفصيلات قد تتعدد فيها وجهات النظر.
والذي نعتقده أن الطريقة المثلى هي التي تجمع بين حفظ سور كاملة وحفظ آيات متفرقة من شواهد الآداب والأخلاق، فهي طريقة تفيد في فهم نسق الكتاب الكريم كما تفيد في فهم آداب الدين.