نشرت الصحف أخبارًا مقتضبة مبهمة عن مشروع توليد الكهرباء من مساقط المياه بخزان أسوان.
خلاصة هذه الأخبار أن وزارة الأشغال قد ظهر لها أخيرًا أن الخبراء المصريين قد أخطأوا خطأ كبيرًا في تقديرهم لتكاليف المشروع، وأن تكاليفه الحقيقية تبلغ أضعاف ما قدره أولئك الخبراء. وعلى هذا تقرر توقيف العمل في المشروع كله وإعادة النظر فيه، وأن تكون إعادة النظر كما قيل شاملة لبحث التكاليف وبحث المسائل الفنية من جديد!
لقد وقع الخبر من الناس جميعًا موقع الدهشة بل موقع الحيرة. لأنهم يعلمون أن مشروع توليد الكهرباء قد درس في وزارة الأشغال، وقد عرض على مجلسي البرلمان واستدعت لجانه خبراء الوزارة وغيرهم من المختصين، ثم دارت المناقشة فيه طويلًا بين أعضاء مجلس النواب ثم أعضاء مجلس الشيوخ من المؤيدين والمعارضين، وكان صاحب الدولة حسين سري باشا رئيس الوزارة الحاضرة — حيث لا يزال — عضوًا في مجلس الشيوخ، وكانت المعارضة على اتصال دائم بوزير الأشغال في الوزارة الحاضرة بصدد هذه المناقشات.
فيحق للناس أن يدهشوا وأن يحاروا لهذه المفاجأة التي طالعتهم بها الصحف بغير تمهيد وبغير توضيح، ومن الواجب لهذا أن تبادر الوزارة إلى توضيح الأمر وتفصيله بغير إبطاء. لأن البيانات عندها كافية مجهزة على ما يظهر ما دام قد بلغ من كفايتها أو قناعتها أن تعتمد عليها في توقيف العمل وإعادة النظر كما قيل، ولا حاجة إذن إلى انتظار طويل لتنوير الأذهان في هذه المسألة، وهي من أهم المسائل التي تشغل أذهان الفنيين وغير الفنيين.
والبيان في أمثال هذه المشروعات، وعند اتخاذ أمثال هذه الإجراءات على الخصوص، لازمة منتظرة.
ولكنها في هذا المشروع بعينه ألزم وأوجب، لأنه من مشروعات الأجيال التي تحول الأمة من عهد إلى عهد في أطوارها الاقتصادية والاجتماعية، وليس هو من تلك المشروعات اليومية أو السنوية التي تبت فيها وزارة الأشغال بين حين وحين، أو يبت فيها مجلس الوزراء مع عشرات المسائل والمذكرات.
وأهمية المشروع الجلي ليست هي السبب الوحيد الذي يدعو الوزارة إلى المبادرة بإطلاع الرأي العام على حقيقة الموقف الأخير، بل هنالك أسباب شتى لا تخفى على الوزارة ولا تخفى على أحد من المصريين، وهي تلك العقبات التي أقيمت في سبيل تنفيذ هذا المشروع الحيوي الكبير. ويقال أنها تقام إلى الآن بغير انقطاع. وأن الأيدي التي تدأب على إقامتها لها من النفوذ ما يسول لها أن تطمع في تعطيله وإحباطه في أية مرحلة من مراحل تنفيذه، وإن تقدم العمل فيه.
فالمصريون جميعًا يذكرون أن مشروع توليد الكهرباء قد ظل محبوسًا في ملفات الدواوين نحو عشرين سنة، وأنه أعيد إلى حبسه في تلك الملفات المطوية كلما أثير البحث فيه على عهد بعض الوزراء أو المهندسين.
وكان مما استغربه الناس كثيرًا أن المشروع لم يبحث بعد الفراغ من بناء الخزان، مع أن القائمين بالأمر يومئذ لا يجهلون أنه مشروع عملي يمكن إنجازه ولا تستغني البلاد عنه.
وقد شاعت في البلاد تعليلات متواترة لهذا التعويق الذي لازم مشروع توليد الكهرباء منذ خطرت فكرته لبعض المسؤولين من المصريين. فقيل أن أصحاب المصانع الإنجليزية الكبرى غير مستريحين إلى إنشاء المصانع الضخمة في البلاد المصرية، وقيل بعد إقرار الحكومة المصرية للمشروع وابتدائها بتنفيذه أن تنفيذه على هذه الصورة خليق أن يغضب الشركات القوية التي كانت تتطلع إلى الإشراف عليه من مبتداه إلى منتهاه.
ومن دواعي القلق — أو من دواعي العجب عند الأكثرين — أن المشروعات التي من هذا القبيل تتم في الأقطار الأمريكية والأوروبية على وجه السرعة بل على وجه العجلة أحيانًا ثم يستفاد بها وتعم فوائدها خلال سنوات معدودات.
والناس يتساءلون: لماذا لا تثار مشكلات الهندسة والاقتصاد كلها حول مشروع من أمثالها إلا حين يراد هذا المشروع لفائدتنا نحن المصريين؟
لهذا كله أصبح من الحتم اللزام مواجهة الأمة بالبيان المفصل الذي يجلو الحقيقة عن الضرورات التي ألجأت الحكومة المصرية إلى تصرفها الجديد، وأن تعلن الحكومة مواضع الخطأ في تقدير الخبراء المصريين وخبراء الشركات الأجنبية، وأن تطمئن الأمة بكل ما يسعها من وسائل الطمأنينة إلى حسن رعايتها لهذا المشروع الحيوي العظيم، وإلى مثابرتها على تنفيذه ومغالبة كل مسعى من مساعي التعويق التي قد تحيط به، إن صح ما يشاع وليس هو بالمستغرب ولا بالبعيد.