جاء في أنباء العاصمة الإنجليزية أن التقارير التي تلقاها مؤتمر الشرق الأوسط الذي ينعقد فيها الآن تدل على أن الشيوعية تبدي في البلدان العربية نشاطًا لا نظير له في البلدان الأخرى، وأن أصحاب تلك التقارير يميلون إلى استبعاد الرأي القائل بحصانة البلاد الإسلامية من الشيوعية. لأن الإسلام والشيوعية لا يتفقان. فإن الشيوعيين كثيرًا ما استغلوا الجماعات الإسلامية الدينية في بث التعاليم التي تناهض الغربيين الملاحدة من عباد الدينار.
أما أن الشيوعية تخص بلاد العرب والمسلمين بنصيب ممتاز من دعايتها فليس بالخبر الجديد. لأن الواقع يظهره والكل يتوقعه ما دامت بلاد العرب والمسلمين ملتقى القارات من جهة ومركز الإمامة الروحية لمئات الملايين في آسيا وإفريقية من جهة أخرى.
كذلك ليس بالجديد أن الدين الإسلامي يعوق الشيوعية عن نشر دعوتها أو الترويج لأغراضها.
فإن الدين الإسلامي يعوق الشيوعية، بل هو أكبر عائق في طريقها على تقدير واحد، ليس هو مع الأسف بالتقدير الصحيح.
إن الإسلام أكبر عائق في طريق الشيوعية إذا كانت هذه الشيوعية مذهبًا محترمًا يعتمد على الإقناع بفكرة لا محيد عنها.
ففي هذه الحالة تصطدم الشيوعية بعقائد الإسلام في كل عقيدة منها ويتعذر على الداعي الشيوعي أن يواجه المسلم بفكرته وهو عالم بأحكام دينه.
ولكن الواقع أن الشيوعية «مؤامرة ترمي إلى تنفيذ جريمة كبيرة» لهدم الحضارة القائمة، وليست هي بدعوة محترمة تعتمد على أفكار واضحة لا تحيد عنها.
هي مؤامرة يتوسل أصحابها بكل وسيلة لتنفيذ الجريمة التي يدبرونها، فلا يبالون خداع الناس عن عقائدهم ولا يتورعون في تصوير مذهبهم على أية صورة تضمن له القبول عند طائفة من الناس، ولو اتخذوا له صورتين متناقضتين تختلفان مع اختلاف الزمن أو اختلاف البلاد!
فالشيوعيون يكفرون بالوطنية ويعتبرونها حيلة من حيل أصحاب الأموال لتسخير العمال، ولكنهم ينفخون في جذوة الوطنية كلما حاربوا دولة من الدول التي تنازعهم أو ينازعونها. كما صنعوا في الصين قبل الحرب العالمية وما زالوا يصنعون فيها إلى زمن قريب لا يتجاوز بضعة أشهر، حين تغلبت كفة الشيوعيين هناك على كفة «الوطنيين».
وقد صنعوا مثل هذا في فلسطين قبل نهاية الانتداب البريطاني وبعد انتهائه. فكان أتباعهم في فلسطين يسمون حركتهم بحركة «التحرير الوطني» حتى استغنوا عن التبشير بالوطنية فعدلوا عنها إلى محاربة الأوطان العربية جميعًا باسم الطبقات.
وهم يجرون في خداعهم وتمويههم على هذه السُّنة كلما احتاجوا إلى مخالفة الأديان بين من يعتقدونها.
وقد يخلقون الجماعات الدينية التي تظهر غير ما تبطن وتعمل لنشر الشيوعية والتمهيد لها، وهي تتراءى للناس في مظهر الغيرة على الدين والجهاد في سبيله.
وعندنا نحن شاهد قريب على هذه المخادعة بالدعوة الدينية من تلك العصابة التي قامت على نظام العصابات الشيوعية في أساليبها ووسائلها وتلقت منها العدة والعتاد وعملت على خدمتها بإشاعة الفوضى ونشر الفتنة والقلق والاضطراب.
فالدعوة التي تقوم على فكرة تقف في سبيلها الفكرة، وتقف في سبيلها العقيدة.
أما الدعوة التي تتحول إلى مؤامرة مصرة على تنفيذ جريمتها الكبرى بكل وسيلة والاحتيال لها بكل حيلة والتمثل من أجلها في كل صورة، فإنما تحارب كما تحارب المؤامرات …
إنما تحارب بقوة القانون ويقظة الساهرين على استقرار النظام.
وإذا قيل أن محاربة الشيوعية بالقانون وحده لا تكفي فيجب في هذه الحالة أن نفرق بين الشيوعية نفسها وبين الدعوة إلى الشيوعية.
فمحاربة الشيوعية نفسها إنما تكون بإصلاح المعيشة ونشر الرضا والطمأنينة ومنع أسباب الشكوى والامتعاض بين الطبقات الفقيرة على الخصوص.
فلن تحارب الشيوعية نفسها بسلاح أمضى من هذا السلاح، ولن يفلح سلاح آخر في محاربتها ولو تضافرت على تأييده جميع القوانين.
أما الدعوة إلى الشيوعية فلن يمنعها إصلاح المعيشة بل يزيدها ويثير أصحابها ويستحثهم أبدًا إلى مضاعفة الجهد واختلاق أسباب جديدة للتحريض والتهييج.
فلا يطلبون إذن صلاح حال الفقير بل يعمدون إلى صاحب المعاش المضمون ويثيرونه على من هو أرفه منه معاشًا ليحسده وينقم عليه.
ولن تستغني المجتمعات عن سلاح القانون في محاربة هؤلاء المفسدين، لأنهم متآمرون على تنفيذ جريمة وليسوا بدعاة إلى فكرة يحترمونها ولا يقبلون الخداع فيها.
على أن الساسة الذين يبحثون اليوم في مكافحة الشيوعية، ويتلقون التقارير من بلدان الشرق الأدنى عن نشاطها فيها يحق لهم — بل يحق عليهم — أن يستوفوا تلك التقارير بعض الاستيفاء ليعرفوا مدار الدعوة الشيوعية في هذه البلدان إن أرادوا أن يعرفوها حق عرفانها.
إن مدار الدعوة الشيوعية في بلدان الشرق الأدنى هو مواقف أولئك الساسة أو هو الطمع الأشعبي الذي يعميهم عن مواجهة الحقيقة ويصيبهم أحيانًا بما هو شر من العمى المطبق وهو العمى على حسب المشيئة والاختيار. يبصرون ما يرضيهم ويغمضون عما لا يرضيهم، وتفتح الشيوعية عيونها جميعًا لما يرضي ويسخط على السواء.
وإن الشيوعية لتفقد نصف وسائلها على الأقل إذا شاء الساسة الذين يبحثون اليوم عن مكافحتها … وإنهم ليشاءون ويستطيعون، فهل يفعلون؟