ترد إليَّ — على أثر ما أكتبه عن الشيوعية وغيرها من المذاهب الهدامة — رسائل مختلفة من الموافقين والمعارضين والمستفسرين.
ويغلب على رسائل المستفسرين أن تشتمل على سؤال كهذا السؤال: ماذا ترون في سوء حالة هذه الطائفة؟ وماذا تقولون في صعوبة العيش على عامل الزراعة أو الفلاح الأجير؟ … إلى أمثال هذه الأسئلة التي تدور حول هذا المعنى.
والذي نحب أن نقرره هنا لكل مستفسر من هذا القبيل إننا لا نحارب الشيوعية لنستر عيوب المجتمع أو نسوغ المساوئ التي تقع فيه.
فالمجتمعات الحاضرة كثيرة العيوب، كثيرة المساوئ، وحاجتها إلى الإصلاح أمر مفروغ منه ولا محل للخلاف عليه.
فنحن لا نحارب الشيوعية لأننا نجهل هذه الحقيقة أو ننكرها، ولكننا نحاربها لأنها تستحق المحاربة وتنذر العالم الإنساني بخطر أكبر وأفدح من جميع المخاطر التي تعرض لها في تاريخه.
وقد نقرب الأمر إلى المستفسرين بمثل صالح لتوضيح وجهتي النظر في هذا الموضوع، وهو مثل الدجال والأطباء المقصرين …
مشعوذ دجال نزل بالمدينة وراح ينشر في أنحائها أنه طبيب بارع يعالج كل داء ويشفي كل علة، ويفوق الجراحين في الجراحة، وأساطين الطب الباطني في الأمراض الباطنية، ويلمس الأعمى فيبصر والأصم فيسمع، والكسيح فيمضي على قدميه، ولا يتناول بطبه السحري حالة من الحالات إلا ضمن فيها البرء والسلامة وأنقذ المبتلى بها من الخطر والبلاء.
فما هو واجبك إزاء هذا المشعوذ الدجال؟
واجبك أن تحذر الناس منه وأن تثبت لهم كذبه واحتياله، وأن تطالبه بالدليل، وليس عنده دليل.
لأنه في الوقت الذي يخدع فيه الناس بدعواه يقيم حول مستشفاه في بلاده سدودًا وراء سدود، ولا يفتح أبوابه لمن يخرج منه ليحدث الناس بمعجزاته، أو يدخل إليه ليشهد بعينيه حقائق تلك المعجزات.
لكنك لا تحذر الناس من خداع ذلك الدجال حتى تسمع من هنا وهناك من يسألك متعجبًا: كيف تحذرنا يا صاح من ذلك الدجال المسكين؟
كيف تحذرنا منه وأنت ترى بعينيك ما يصنعه الأطباء القساة وتصنعه المستشفيات التي تضيق بالقصاد وطلاب العلاج؟
ألم تسمع بذلك الجراح الطامع الذي تقاضى مائة جنية أجرًا للعملية الجراحية؟
ألم تسمع بذلك المستشفى الذي يتزاحم المرضى على أبوابه ولا يقبلون فيه بغير الوساطة والشفاعة؟
ألم تسمع بالممرضين الذين يخدمون من يرشوهم ويهملون من يضن عليهم بالرشوة والهدية؟
ألم تسمع بأثمان الدواء التي لا تطاق؟ ألم تسمع بالوباء الذي يعصف بالكبار والصغار؟
ألم تسمع؟ ألم تسمع؟ ألم تسمع؟
فإن كنت قد سمعت وسمعت وسمعت، فكيف تحذرنا من ذلك الدجال المظلوم؟ وكيف تزعم أنه دجال محتال؟
***
إذا ظهر الدجال المحتال، وظهر الناصح المحذر منه، وظهر له من يلقي عليه هذه الأسئلة وهو معوج العنق، مصعر الخد، متعنت متهم، أو موشك أن يتعنت بالاتهام … فماذا يكون الجواب؟
الجواب هو الجواب.
الجواب هو أن الدجال المحتال دجال محتال، ولو سمعنا ما سمعناه وأضعاف ما سمعناه، عن مساوئ الأطباء والمستشفيات والممرضين.
***
نعم هو دجال محتال، وشر ما يصاب الناس به من الطبيب الطامع والمستشفى المزدحم والممرض المهمل، أهون من زوال الطب والتمريض وشيوع الدجل في علاج الأمراض.
***
هذان هما الشيئان المختلفان: عيوب المجتمعات، وخداع الدعوة الشيوعية.
فقل ما شئت عن عيوب المجتمع ومظالمه وسيئاته، فغاية ما تقوله في ذلك أنه مجتمع مريض يحتاج إلى علاج كثير، ولكن حاجته هذه إلى العلاج لا تكفل له السلامة على يد المشعوذ الدجال.
إن الشيوعية دجل وشعوذة.
وإن عيوب المجتمع علل وآفات.
والحذر من الدجال المشعوذ أوجب ما يكون عند الشكوى من العلل والآفات.
فليس علمنا بعلل المجتمع وآفاته هو الذي يثنينا عن محاربة الشعوذة والدجل. بل هو هو الذي يوجب علينا أن نشتد في التحذير منهما، بكل ما نملك من وسائل التحذير.