في سنة 1973 لم يكن على حدودنا الشرقية خطر نتقيه، ولم يكن قد مضى عام على إبرام معاهدة المودة والولاء بيننا وبين بريطانيا العظمى، ولم نكن قد ملكنا كل حريتنا في زيادة الجيش أو في تسليحه وتنظيمه لأن البعثة العسكرية كانت لا تزال حائلًا قويًّا بيننا وبين التوسع في هذه الأغراض.
ولم تكن الحرب العالمية قد وقعت، ولا كان الإنجليز قد خرجوا منها محتجين علينا بضعف قوة الدفاع الوطنية كلما طالبناهم بالجلاء.
ومع هذا كان صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا يلح على الحكومة القائمة بالإسراع في تقوية الجيش وتسليحه، ثم يلح عليها بفرض التجنيد على المصريين — جميعًا بغير استثناء.
(2)
المفارقة الثانية
وفي سنة 1949 قام على حدودنا الشرقية شيء يسمى دولة إسرائيل.
ودولة إسرائيل هذه هي التي تعلن مطامعها في جميع البلاد العربية، وفي مقدمتها وادي النيل.
ولا تقصر الطمع على فلسطين …
وهي التي عرفنا من حربها مبلغ استعدادها لتنفيذ هذه المطامع بقوة السلاح، فضلًا عما وراءها من قوة المال.
وهي التي تعترف بها الدول الكبرى وتقبلها هيئة الأمم المتحدة بين أعضائها. ولم يكن شيء من ذلك يهددنا في سنة 1937.
ولكنه كله تهديد قائم في سنة 1949.
أما في السنة الأولى فقد كنا في حاجة إلى استعداد وقوة دفاع، وكنا في حاجة إلى تعميم التجنيد …!
وأما في هذه السنة الأخيرة فلا حاجة بنا إلى هذا ولا ذاك!
لأن التكتل بين دول المشرق ودول المغرب — يغنينا عن هذا وذاك!
(3)
المفارقة الثالثة
ولا يخفى أن عصابة صهيون — التي تسمى بدولة إسرائيل — تتمتع بالتأييد من الكتلتين.
تؤيدها الكتلة الشيوعية، وتؤيدها الولايات المتحدة، ولا تخذلها بريطانيا العظمى.
عندها الغاية القصوى من الانتفاع بسياسة التكتل، سواء اتفقت الكتلتان أو وقعت بينهما الحرب أو بقيتا على خلاف بغير حرب ولا اتفاق.
وعصابة صهيون في حاجة إلى مشروعات الإنشاء والتعمير، لأنها لا تزال بعد في دور الإنشاء والتعمير.
وعصابة صهيون تحب المال ولا يتهمها أحد بجهل قيمته والعبث بإنفاقه في غير طائل.
ولكن عصابة صهيون تنفق الملايين في شراء السلاح، ولا تعتمد على ولاء الكتلتين مجتمعتين …
بل هي تستعير وتقترض لشراء السلاح؛ وعندها من الأزمات المعضلة ما يحوجها إلى المال الذي تستفيده من تلك القروض.
وكل شيء يمكن أن يقال عن هؤلاء القوم إلا أنهم يجهلون فنون الاقتصاد أو يعجزون عن السعي بين الكتلتين، أو يعجزون عن السعي بين الجيران والأقربين!!
(4)
المفارقة الرابعة
على أن رجال الاقتصاد في كل العصر الحديث هم الذين يفهمون أن الجيش الذي يناسب قوة الأمة ثروة وطنية وليس قصارى الأمر فيه أنه مجموعة من الجنود تصطف في ساحة القتال.
ففي وسعنا أن نستفيد من الجيش كثيرًا في محو الأمية إذا أوجبنا تعلم القراءة والكتابة على المجندين.
وفي وسعنا أن نستفيد من الجيش شيئًا كثيرًا في تصحيح الأبدان إذا عالجنا جنوده من الأمراض المستوطنة التي تصيب الفلاح وغير الفلاح.
وفي وسعنا أن نستفيد من الجيش شيئًا كثيرًا في إحياء الصناعة، لأن الجيوش لا تستغني عن ضروب شتى من الصناعات التي تنفع في المعسكرات وغير المعسكرات.
وفي وسعنا أن نستفيد من الجيش دروسًا في المعيشة النظامية أو في تربية الناشئين على حب الواجب وخدمة الوطن واحترام القانون … إذ لا توجد في الأمة بيئة تستفاد منها هذه الدروس إن لم يتعلمها الناشئون في ظل النظام.