قرأنا في الصحف إعلانًا بعنوان «توفير الملايين على مصر سنويًّا بفضل إنشاء أكبر مصنع في الشرق للأسمدة والصناعات الكيماوية في السويس».
مما جاء في الإعلان «إن مخازن الشركة وأفنيتها ملأى بمختلف العدد والآلات التي استوردتها الشركة من أوربا وأمريكا لاستخدامها في تركيب المصانع والمعامل التي تتألف منها هذه المدينة، ويظهر أن الشركة لم تشأ أن تعتمد في استيراد ما يلزمها من عدد وآلات على بلد واحد، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تأخير في الإنشاء».
أما الشركة فهي الشركة المصرية للأسمدة والصناعات الكيماوية.
وأما عضو مجلس الإدارة المنتدب فهو «أحمد عبود باشا» صاحب الملايين المشهور.
***
وهكذا يعلم المصريون أن هناك شركة كبيرة لإنتاج الأسمدة تعمل في مدينة السويس.
وهو خبر يستقبله المصريون بالترحيب على اعتبار أن الشركات مرفق من مرافق الأمة ومورد من موارد الدولة ومجال للأيدي العاملة يحمي الصناع من البطالة.
ولكنهم مع ترحيبهم بهذه الشركة الجديدة لا يزالون يعتقدون أن كهربة الخزان لإخراج السماد وغيره من المصنوعات أنفع وألزم، لأن البلد الذي يملك قوة كقوة الكهرباء في خزان أسوان ثم لا يستخدمها في موضعها مع احتياجه إليها بلد مسرف لا ينتفع بما عنده ولا يحسن التصرف في مرافقه وأمواله.
فكل ما يرجوه المصريون أن تمضي شركة السويس في طريقها دون أن يؤثر وجودها في كهربة الخزان، وأن تكون الضجة التي تثار حول مشروع الكهرباء بمعزل عن كل مشروع آخر، سواء كان القائمون به في مصر أو في قطر من الأقطار الخارجية.
والرجاء أيضًا في الشركة الجديدة أن تكون مجالًا للأيدي العاملة وموردًا من موارد الدولة، وأن تكون آلاتها الجديدة التي استوردت من بلاد كثيرة قادرة على تلبية كل ما يطلب منها دون أن تتعرض للإرهاق الذي يشكو منه عبود باشا في الشركات الأخرى.
نتمنى إذن لهذه الشركة الكبرى كل خير.
ومن الخير الذي نرجوه أن يظل مشروع الكهرباء في أمان لا يعطله قيام شركة أخرى للسماد، ولا كراهة بعض الشركات الخارجية لتصنيع البلاد أو لقيام غيرها بالإشراف على كهربة الخزان.
وبودنا أن تتعلم الحكومة المصرية شيئًا من المذهب الاقتصادي الذين يدين به وينفذه «عبود باشا وشركاه».
فإن علمه بالاستعداد لإخراج السماد بعد إنجاز مشروع الكهربة لم يمنعه أن يقوم هو بإنشاء معمل آخر للسماد.
فلماذا لا تفكر الحكومة في إنشاء معامل أخرى لاستخراج السكر من القصب؟ ولماذا لا تجرب الشركات التي ترغب في الإنتاج ولا تقيد الحكومة أو الأمة بشرط من الشروط؟
إن هذه التجربة واجبة ونافعة للزراع ولمن يشترون السكر في مصر والخارج.
فالزارع الذي يرى أمامه شركتين أو ثلاث شركات مقبلة على شراء قصبه يستفيد من المنافسة بين هذه الشركات.
وكذلك يستفيد جمهور المصريين من المنافسة بينها في تقديرها لأسعار مصنوعاتها، ومنها السكر والاسبرتو وبعض أصناف الوقود.
وقد تعود عبود باشا دائمًا أن يطلب من الحكومة إعانة لهذه الشركة أو تلك بذريعة من الذرائع الكثيرة …
فهو يطلب الإعانة لشركة الملاحة، ويطلب الإعانة لشركة السكر، ويطلب غير الإعانة معاملة خاصة في شؤون التصدير والتوريد.
فلماذا لا تحاول الحكومة أن تجرب طريقة في معاملة الشركات غير هذه الطريقة؟ ولماذا لا تأخذ بالمذهب الاقتصادي الذي يأخذ به عبود باشا من تعداد المعامل للصناعة الواحدة؟
هل يضيرنا أن تكون لنا شركتان للسكر بدلًا من شركة واحدة؟ وهل رأى عبود باشا أي ضير من سبق الحكومة إلى إنشاء معمل السماد والاستعجال في جلب آلاته من هنا وهناك حتى يتم إنشاؤه قبل إنشاء معمل الخزان؟
كلا. لم ير عبود باشا ضيرًا في ذلك، ولا نحسب أن الحكومة ترى فيه ضيرًا على أحد المشروعين … إلا إذا كان في النية الاكتفاء بمشروع واحد منهما يقع عليه الاختيار في الحين المناسب، ولعله غير بعيد!
***
على كل حال «مبروك»!
مبروك أكبر معمل في الشرق للأسمدة والصناعات الكيماوية بالسويس … والعاقبة لمشروع أكبر منه وأنفع وألزم: وهو مشروع توليد الكهرباء من خزان أسوان.