أصبح عنوان «السعديين» من القوالب أو الكليشيهات الثابتة في جريدة «المصري» التي تكتب للمصريين باسم المصريين.
فلا ينقضي يوم بغير خبر في الصفحة الأولى أو صفحة الحوادث المحلية من «المصري» تحت عنوان بارز في عدة سطور، تارة عن تفرق السعديين شذر مذر، وتارة عن خروج السعديين على رئيسهم، وتارات أخريات عن استقالة الوزراء السعديين جميعًا أو استقالة أحدهم من الوزارة والحزب بسبب يتجدد في كل يوم.
وصحيفة «المصري» تزعم أنها لسان حال الائتلاف وأنها حريصة على التقريب بين الأحزاب واجتناب كل ما يوقع بينها ويثير حفائظها وينذر بفض ائتلافها.
وهي إن صدقت في دعواها حق للناس أن ينتظروا منها السكوت عن الوقائع الصحيحة والإحجام عن نشر الدلائل السيئة وتكبيرها والمبالغة فيها، وحق للناس على الأقل أن يشعروا بنفورها حين تضطر إلى إذاعة الخبر الصحيح الذي لا يستطاع كتمانه وإرجاء نشره، فلا تزفه إلى القراء بالطبول والزمور كأنه هو الغرض المقصود والأمل المنشود.
نعم يحق للناس أن ينتظروا من الصحيفة التي تغار على الائتلاف أن تتحاشى نشر الوقائع التي تمسه وتعجل بانحلاله، ولكن «المصري» لا تتحاشى عن نشر الوقائع بل تختلق الأكاذيب وتبالغ في الصغائر وتتمنى الدوام لهذه الحالة التي لا دوام معها للائتلاف بين الأحزاب والزعماء.
وهو إذا أخذنا الأمور بظواهرها شيء عجيب، ولكننا إذا نظرنا إلى «المصري» ورسالته بين المصريين لم يكن في الأمر شيء من العجب وكان غير ذلك — لو فعلته المصري — هو الجدير بالدهشة والاستغراب.
فالمصري تغضب إذا غضب عبود باشا وشركاؤه …
وعبود باشا وشركاؤه على السعديين، ولهذا وجب عقاب السعديين والانتقام منهم، لأنهم أغضبوا عبودًا في سبيل مصالح المصريين.
وإنه والله لمؤلم شديد الإيلام أن تكون هذه وظيفة الصحافة المصرية التي تدعي لنفسها الكلام باسم الأمة والأمانة في خدمتها.
فليست وظيفة الصحافة المصرية أن تنتقم من الساسة الذين يخدمون بلادهم ويحفظون حقوق أبنائها ولا سيما الفقراء منهم والمستضعفين.
ليست هذه وظيفة الصحافة المصرية التي تراد الصحافة من أجلها في بلادها.
ولكن وظيفتها هي السهر على حقوق الناس والحساب العسير لمن يجترئ على المساس بتلك الحقوق.
ولقد مُست هذه الحقوق علانية في مصر أكثر من مساس واحد، ولا تزال مهددة بالضياع.
مُست في أموال الضرائب التي تعد بالملايين، ومُسَّت في الاحتكار الذي يتحدى كل قانون، ومست في ضرورات العيش التي سرى الغلاء فيها من مادة إلى مادة وأوشك أن يعمها بعد أن آذنت أزمة الغلاء بالانفراج.
فكم كلمة … كم حرفًا كتبت «المصري» احتجاجًا على هذه الحالة؟
كم خبرًا أشارت فيه إليها؟ كم سؤالًا وجهته للوقوف على حقيقتها إن كانت لا تقف عليها؟
لا كلمة. لا حرف. لا خبر. بل هناك سطور وأنهار تجري بالحملة على من يؤدون هذا الواجب، لأنهم يؤدون هذا الواجب ولا يسكتون كما سكتت «المصري» التي تكتب للمصريين باسم جميع المصريين.
فالمصري — لأنها صحيفة المصريين — لا هي تحاسب عبودًا ولا هي تسكت عن الذين يحاسبونه، بل ترجف في شأنهم بالإشاعات وتتمنى لهم الفرقة والتبدد لكيلا يبقى في مصر أحد يعوق الطامعين عن الطمع ويحاسبهم على الحق الضائع والاستغلال الذميم الذي جاوز جميع الحدود.
أهذه هي وظيفة الصحافة؟
أهذه هي عقيدة الصحافة في غفلة الأمة المصرية وغبائها؟
ألا يكلفون أنفسهم ولو مظهرًا من المظاهر لخداع الأمة التي يريدون خداعها؟
أيطلبون منها أن تصفق لهم لأنهم ساكتون عن ضياع حقوقها ولأنهم ساخطون على من يجهر بالدفاع عن تلك الحقوق؟
إن هؤلاء الصحفيين يجهلون مدى الخطر الذي ينساقون إليه وهم مغمضون.
لأنهم يهدوُن دعاة الهدم والفوضى إلى دليل يروجون به لنشر مذاهبهم والسخرية من الديمقراطية وضماناتها.
فإذا قيل للناس إن حرية الكتابة وحرية الانتخاب وحرية الدعوة السياسية ضمانات في النظام الديمقراطي لحماية الشعب وحراسة مصالحه سخروا من مقالتهم وسردوا لهم الأمثلة على تزييف هذه الحريات وهذه الضمانات لخدمة أصحاب الأموال بالاتفاق والتواطؤ بين الصحف والساسة والأحزاب.
ونحن نعلم أن دعاة المذاهب الهدامة يضللون بجماهير الدهماء حين يشيعون بينهم هذا الافتراء على وجه التعميم والإطلاق. فإن الذي حاسب عبودًا وساقه إلى القضاء وزارة ديمقراطية، وأن القضاء الذي حكم عليه قائم في ظل النظام الديمقراطي، وأن الظروف التي تساعده في الجهر أو الخفاء لأتمت إلى الديمقراطية بشيء.
ولكن ماذا نقول إذا قيل أن جزاء المحاسبين الأمناء هو ما ترون من ألسنة الرأي العام ومن حملة الأقلام؟
أيها القوم إنكم تلعبون بالخطر. إنكم تلعبون بالخطر. إنكم تلعبون بالخطر. فاسمعوا ما تكرر إن كان بكم صمم عن سماع الحق المبين.