بين الأخبار الكثيرة المحزنة في هذه الأيام خبر سرَّني جدًّا، وهو أن عظمة السلطان عيَّن للجمعية الخيرية الإسلامية في ميزانية الأوقاف الخصوصية السلطانية مبلغًا لإنشاء مدرسة لتعليم البنات والإنفاق عليها.
يالله! كم تلهج الجرائد بالشكر وكم تفيض بالدعاء وتفتح باب المرادفات المتتابعة التي لا تستطيع أن تعبِّر عن فكر خاصٍّ إذ إنها كلمات محفوظات منذ أعوام! وليتها تسأل عظمة السلطان بما يعود على الشعب بالخير، وتستلفت نظره العالي إلى كل نقص موجع في الأمة، وإلى الاحتياجات الكثيرة والجراح العميقة التي يستطيع تضميدها، إن الملك هو الفرد الذي يكاد يكون كُلًّا؛ لأنه يمثل الكل، ففي رفعة الشعب عزُّه، فلا عجب أن نراه أكبر مساعد له، مهتمًّا بمصالحه وشؤونه ومحاولًا إنهاضه من وهدة الجهل والحاجة بجميع الوسائل الممكنة ماديةً كانت أو أدبيةً.
فتفكير عظمة السلطان في إنشاء مدرسة للبنات فاتحة رجاء كبير؛ لأن مسألة تعليمهن توجب الالتفات والاهتمام الحقيقِيَّين، إن موقف مصر الطبيعي لا يُجِيز لها أن تكون جاهلة، ورغمًا عن النهضة الأدبية الحديثة في مصر والتعليم الذي لا يتناول أكثر من مليونين بين اثني عشر مليونًا، فلا نستطيع أن نسمي مصر إلا جاهلة، وركيكٌ أن أُردِّد هنا ما يعرفه الجميع وهو أن ارتقاء المرأة أساس ارتقاء الشعوب، وحيث تكون المرأة في انحطاط فلا ارتقاء في الرجال، فإذا شكرتك الجمعيات بحق — يا مولاي — على إنعاماتك الطيِّبات، فأنا أشكرك بأكثر من ذلك، أشكرك بآمال كثيرة للمستقبل، آمال ارتقاء لجنسنا المُستَعْبَد، آمال تحرير لجنسنا الذي طال جهله وطال شقاؤه، وإذا تنازلت وصرفت شيئًا من اهتمامك الأبوي على هذا الموضوع فإني لا أشك في النتيجة وأراها باهرة في المستقبل القريب.
ومما يسرُّنا أيضًا أن البرنس قدرية هانم كريمة عظمة السلطان كاتبة أدبية ومُحِبَّة للفنون، فقد عرَّبت رواية فرنساوية إلى التركية ولها ولع كبير بالبيانو، ونؤمِّل أن تكون ميولها هذه الجميلة عاملًا كبيرًا في إنهاض المرأة المصرية من جهلها وتدريبها في سبيل المعرفة والنور، بل نؤمِّل غير ذلك، نؤمل أن تتألف جمعية أدبية نسائية تحت رعايتها ورئاستها ليكون مثلها العالي قريبًا من الجميع، وعلمها الأدبي محسوسًا ملموسًا، فيكون لها في تاريخ نهضة النساء في مصر أثر كبير خالد.