كسرتُ البيت، وهدمتُ معانيه لأنصفك يا مطر الجو، فإن الشاعر العربي كان لك ظالمًا، وسواء كان يعنيك أنت في شعره، أم كان يقصد رسولًا اسمه «مطر»، أم كانت مراجعة الكلمة في الشطرين تورية للاسمين جميعًا، فأنت يا مطر الغيوم مظلوم، فما أظلم الشعراء يوم لا يكونون راحمين!
وما ذنبك أنت — ودورك منفعل وإن كنت فاعلًا — إذا امتصَّتك الشمس من البحار بخارًا، وبخَّرتك غيومًا، فعادت الغيوم تتفجر وتدفقت سيولًا لتروي السنابل في مروجها وتقوِّي الأشجار في أرضها، وتذل النبات والأزهار حينًا كي يأتيها الربيع المقبل بنضرة الشباب وسحر الجمال …؟
ما ذنبك إذا أبطأ الرسول مطر في إرساليته — فلعل في طريقه ليلى تحدِّثه — أو لم يأت بجواب مُرْضٍ للشاعر من ليلاه؟ وما ذنبك إذا هطلتَ عند دنو اجتماعهما، وكان متفقًا عليه منذ أيام أو أسابيع، فتدفَّقتَ ثقيلًا كالماء وكنت بينهما حائلًا …؟
غضب الشاعر وسبَّك بأسجاعه لأنه شعر بأنه معاكس في عاطفة عزيزة، ولكنه إذا كان شاعرًا حقًّا فإني لا أشكُّ في أنه استسلم بعدئذٍ إلى التأمل في جمال حلولك على أرضنا، وأنه فكَّر في الشعوب الجائعة العطشة التي تنتظر منك إرواء غليلها وحياة قوتها.
ولكن لعلَّ الشاعر كان مصريًّا؟ فما استطاع أن يرى فيك الفائدة الحيوية التي تنتظرها منك شعوب وأمم لا نيل عندها ولا إلاهة تبكي عروسها؟
فعند قدماء المصريين احتال تيفون على أخيه أوزيريس وأوقعه في صندوق من الحديد وألقاه في النيل ليهلكه ويسود مكانه كإله وملك معًا، ومنذ تلك الأيام وإيزيس تبحث عن أخيها وزوجها، فتسير في كل عام على ضفة النهر ذهابًا وإيابًا منادية أوزيريس باكية بكاءً غزيرًا، وتختلط عَبَراتها بمياه النهر فيفيض فيضانه العظيم ويتدفق على مروجه خيرًا وبركات، فهو مغذِّي الوادي وينبوع حياته وثروته.
على النهر الفائض بدموع إلاهة حزينة!
فسلام.
لو تجاسرتُ لزدتُ على هذا كلمة أخرى وقلت إنه حُقَّ لبعض المصريين أن يقولوا مع الشاعر القديم «وليس عليك يا مطر السلام»، ولكن الكلمة التي أعني تتعلق بالشوارع غير الأوروبية في العاصمة، والشوارع الأوروبية وغير الأوروبية من الأشياء التي تسوسها مصلحة التنظيم، ومصلحة التنظيم — كما لا تعلم أيُّها المطر — فرع من فروع الحكومة، إذا ذكرناها بغير التعظيم والإجلال كان نصيبنا منها نصيبَك من شاعر ليلى!
آه! من ينبِّه مصلحة التنظيم من رقادها فترفق بالشوارع وسكانها وتبعد عنهم الغبار في الصحو، والأوحال في المطر وتصون صحتهم من الأمراض في جميع الأحوال؟!