كان بعض الجرائد قد أذاع أن مدير دار الكتب السلطانية قد جعل غرفة خاصة بالسيدات. تناقشت الصحف في هذا الموضوع فاستحسنته أكثرها وانتقده، أو كاد ينتقده، بعضها. حتى أفضى الاستحسان والانتقاد إلى الاختلاف على الباب الذي تدخل منه السيدات إلى غرفتهن الخصوصية. فقال البعض: لا بأس من استعمال الباب الذي يعبره الجميع. وأجاب آخرون: بل لا بد من تخصيص السيدات بباب من أبواب دار الكتب كما خصصن بغرفة من غرفها.
راحت أيام وجاءت أيام، والناس تتحدث بالخبر إلى أن جاءت ساعة أسفرت عن وجود عدم مبين في قلب هذا الخبر الأمين!
أكذلك تضحكون من الجنس اللطيف، أيها الصحافيون، وهو يحسب أن أقوالكم منزلة؟ لا سلم يا سيداتي، ولا باب! حتى ولا حجرة موهومة!
يظهر أن سيدة وطنية كانت قد رفعت إلى المجلس الأعلى طلبًا بأن يخصص غرفة للسيدات اللواتي يقصدن دار الكتب، للمطالعة وكان طلب هذه السيدة في محله لأنه من الواجب أن يكرس محلًّا للسيدات المحجوبات في مكان علمي يأتيه الرجال أفواجًا، ولئن كانت السيدات محجوبات عن الرجال فهن لسن بالمحجوبات عن نور العلم، والذكيات منهن يسفرن بلا خجل أمام صفحات الكتب العابسة، ناهبات من أسرارها ما استطعن.
قُدِّم هذا الاقتراح منذ ثلاث سنوات، ومنذ سنوات ثلاث رفض المجلس الأعلى لدار الكتب هذا الاقتراح لأسباب … مجلسية عالية! الأمر لمن له الأمر، أليس كذلك؟ ولكن إذا كان المجلس الأعلى مقيدًا بقوانينه وعاداته فهو مقيد من جهة أخرى بأدبه الكثير ولطفه وحلمه. وعلى ذلك أذاع أنه كان مقهرًا على رفض الاقتراح، فهو مع ذلك يؤكد لجميع السيدات الراغبات في المطالعة، أنهن لا يلاقين في دار الكتب إلا ما يرضيهن من كتب نفيسة واهتمام كبير واحترام فائق.
وعليه يقول لطفي بك أن ليس في وسعه تكريس غرفة للسيدات ما دام المجلس الأعلى غير مقرر بذلك. قلنا: إذًا ما الخبر؟
قال: هو أن بعض الموضوعات يستوجب تنقيب كتب شتى ولا يستحسن هذا في غرفة عمومية لأن تراكم الكتب حول المطالع يزعجه جيرانه جميعًا. جعلنا لمثل هؤلاء غرفة خصوصية فظن بعضهن أنها للسيدات. انتهى.
مسكينات أنتن، يا سيداتي! كنتن متناقشات في أمر الباب قبل أن تكن من ثقة من أمر غرفتكن! صدقن فتى يحترمكن ويرثى لحالكن، إذا جاز لكن بعد اليوم أن تنظرن إلى جميع المجالس العليا في العالم بطرف يجول في حب الانتقام، فما أحراكن بالاعتقاد أن الصحف ثرثارة أحيانًا، ثرثارة كالنساء …