قد يظنُّ القارئ لمجرد مشاهدة هذا العنوان أن حضرات الدكاترة قد غادروا عياداتهم العامرة وأقبلوا آحادًا وجماعات على مصلحة التليفونات يحلون فيها محل المدموازلات، حاشا وكلا! إنَّ العيادات في حاجة قصوى إلى الأطباء وإلا فلمن يمرض المرضى؟ ناهيك عن أن التليفون في حاجة إلى «المدموازلات» تفوق احتياج المريض للطبيب، وشركة التليفون لا تستطيع تسليم هذه المهمة الدقيقة إلا «للمدموازلات»، ناجيتك الله، قل لي، كيف ترى يقابل الرجال الذين اشتهروا بقلة الصبر، نقرَ الأجراس التي تدق في آذانهم من الصباح إلى المساء ومن المساء إلى الصباح، وماذا يحل بأعصابهم القوية الجافة إزاء الطلبات الكثيرة التي تطن عليهم من كل صوب وناحية؟ كأن كل لحظة في دار التليفون ساعة الحشر، وكأن كل جرس ضارب بوقُ يومِ القيامة! لا، لا يعني عنواني شيئًا من هذا، إن إدارات التليفون في جميع أقطار العالم عرفت هذه الحقيقة وقررت ألا يقوم أحد بإعطاء المخابرة التليفونية للمشتركين إلا الأوانس، وقد جاء في آخر عدد من مجلة «الألوسترسيون» الفرنساوية رسم سبع فتيات مسلمات يشتغلن في مصلحة التليفون في الأستانة وهن جميلات ذكيات يُتْقِنَّ من اللغات التركية والفرنساوية والإنجليزية واليونانية، أما الآن وقد دافعت عن معنى عنواني وعن حقٍّ نسائِيٍّ مُقدَّس، فإني أرجع إلى موضوعي الأصلي، لما كتبت الدكاترة في التليفون «أردت أن أقول» الدكاترة في جدول «التليفون»، كل مشترك يعلم أن في أول الجدول أسماء الأطباء تسهيلًا للباحث عن طبيب وخدمة للمرضى في وقت الضرورة، كنت أبحث عن نمرة أحد الأطباء فأمُرُّ بنظري من اسم إلى اسم حتى عثرت باسم الدكتور (نمر)، ثم الدكتور (صَرُّوف) فضحكت وقلت: إن جميع الدكاترة في نظر مصلحة التليفون سواء! فمن كان دكتورًا في الفلسفة يحق له في عُرْفها أن يُجرِي في عنق المريض عملية باستور، ولا مانع لمن كان دكتورًا في اللاهوت أن يكون دكتورًا في حشو الأسنان وخلعها! سامحكِ الله يا مصلحة التليفون!
اذكري مع الأطباء ما شئتِ الدكتور شميل والدكتور سعادة والدكتور فياض وغيرهم ممن يحملون بطيختين في يد، ولكن دعي الدكتور نمر والدكتور صروف وشأنهما! أقسم لكِ بجميع أسلاككِ وخيوطكِ وأجراسكِ أنه إذا طلب مريض أحد هذين الدكتورين في الليل وأخبره بما يقاسيه من ألم المَعِدَة أو وجع الرأس فلا شك بأنه يجاوبه رغمًا على كل ما عنده من الفلسفة: وأنا مالي! كل شيء في نظر مصلحة التليفون أرقام، لعلَّها مُحِقَّة في ذلك ونحن الذين نريد أن نرى في الحياة شيئًا غير الأرقام والأشباح، لعلَّنا نحن المخطئون!