قِفْ بنا نُسائِل مصلحتَي الصحة والتنظيم عمَّا اتخذتَاه من الاحتياطات لمنع تفشي الحميات الخبيثة، وما ذكرتُ مصلحتَي الصحة والتنظيم معًا إلا لأن تنفيذ كثير من القرارات التي تضعها مصلحة الصحة منوط بوظيفة مصلحة التنظيم، كل يوم نسمع بامتداد الحُمَّى في ناحية من أنحاء القُطر فنقرأ تَوسُّلات الصحف إلى الحكومة بأخذ التدابير اللازمة ونعلم أنَّ أولياء الأمور يهتمون ما استطاعوا ويقررون القرارات لوقاية الصحة العمومية.
وبين المناقشات الطويلة وما يتخللها من أخذ وَرَدٍّ تبرق أحيانًا — في جو الحيرة والتردد — فكرة واضحة ورأي مفيد بين الآراء الكثيرة الباطلة، كذلك يشاع الآن أن المجلس البلدي في الإسكندرية كاد يجد وسيلة تكفل الجميع مما يخشون، آمين! هكذا فليكن! لأن تنظيف الثغر من الأمراض يعود عليه بمنافع مادية كبيرة تأتيه من مكث المُصطَافِينَ في ربوعه شهورًا أربعًا، ولئن لم تظهر لنا بعدُ خفايا تلك الوسيلة التي يُنتَظَرُ منها إقفال باب الخطر فإننا نعلم أن ذوي الشأن آخذون بالبحث عنها، وليس ذلك بالشيء القليل.
لقد أحسنت مصلحة الصحة بما اتخذته من الوسائل لمنع تفشي العدوى إلا أن ذلك لا يكفي، غريب جدًّا أنه ساعةَ يجب النظر في الأمور الصحية نرى أن الأفكار متجهة في الغالب نحو إيجاد نظام يجعل المصاب بمعزل عن الناس ليكون انفراده حاجزًا بينه وبين الآخرين، وإلا بحث الناس عن طريقة تمنع المكروبات من النمو.
ولكن أليس ثمة أمر أسرع فائدة وأضمن نجاحًا، نعني محاربة الأسباب الأولية المُكوِّنةِ جراثيمَ الأمراض والعدوى؟ هل يجدي رش الشوارع نفعًا إذا باع الجزَّارون لحمًا لعبت فيه أدران العفونة؟ وماذا ينفع استحمام الصحيح وانزواء المريض في منزله إذا قدَّم الباعة لزبائنهم لحومًا مقددة ترتع تحت الفلفل والبهار بما فيها من مكروبات كامنة؟
وليس المتجوِّلون من الباعة بأقل الناس مسؤولية، ما رأيتهم يومًا قائمين في وسط الشارع والذباب حائم على أطباقهم يتناول منها ما يشاء ويضع عليها ما يشاء، إلا وتوجعتُ لما يجني أولئك الغافلون على زبائنهم، ولا هَمَّ لهم سوى المكسب وحفظ رأس مالهم الصغير بحفظ أصناف مأكولاتهم أيامًا طوالًا.
إن إبادة الصنوف الغذائية التي أدركتها العفونة خارج الجمرك لا يكفي لتطهير ما تناوله الناس من القوت، الشعب جاهل، هو طفل لا تُهِمُّه الوقاية ولا يفتكر بها، وأحسن ما تأتيه الحكومة لصيانة الصحة العمومية هو إنشاء لجنة مراقبة على جميع الموادِّ الغذائية.