لقد ضاقت الصحف عن نشر المحليات الكثيرة التي كانت تهتم بها في الماضي، وما ذلك إلا لأن أخبار الحرب وما يتعلق بها لا تترك مجالًا لغيرها. فما أكثر ما نسمع جرس التنبيه مثلًا منبئًا بمرور عربات المطافئ فيدوي بنا المكان كأن الأرض زلزلت زلزالها. ثم ينقضي زمن تعقبه عودة العربات فنعلم من رنين أجراسها أن الخطر قد زال، غير أن ما نراه بالعين ونسمعه بالأذن لا نقرأ منه شيئًا في صحف الغد التي تغضي عنه إغضاء الكرام. وإني لمستصوب قول القائل إن الحرب أضرت بمحرري صحفنا ومخبريهم. فبدلًا من أن يكد الواحد منهم قريحته فإنه يكتفي بسرد خلاصة أقوال التلغرافات وتعليق رأيه عليها. والمخبر يكتفي من الأخبار المحلية بما يأتيه منها عن طريق دفتر الداخلية والمحافظة والصدفة متكلًا على البرقيات لإملاء الصفحات البيضاء.
شبت النار بالأمس قبيل الساعة السابعة مساء وراء الكنيسة الألمانية في بولاق، وقد تعالى اللهيب إلى قلب الجو فملأ الفضاء دخانًا كثيفًا. والواقف عند نافذة من الشوارع المجاورة شمالًا حتى الفجالة وقبله حتى باب اللوق، كان يستطيع أن يرى هول ذلك الحريق. ولما كنت في شارع لا بد أن تجتازه عربات المطافئ للوصول إلى مكان النار كنت منذهلًا لانقضاء الوقت والهواء يساعد اللهيب على الازدياد والانتشار، دون أن نسمع لجرس النجدة رنينًا. أخيرًا مرت العربات نحو الساعة التاسعة ولم تلبث حتى رأينا اللهب آخذًا بالانكماش والتضاؤل قليلًا قليلًا حتى لم نعد نلمح منه شيئًا بعد حين.
فلماذا لم يسرع رجال المطافئ في الحضور قبل تلك الساعة؟ لا يمكن أن يكون سبب الإبطاء في توانيهم لأننا نعرف نشاطهم في تأدية خدمتهم. ولكن نقدر أن سكان الأحياء الوطنية لا يفتكرون بهم أو لا يلمون بأي الطرق يستنجدونهم حتى يصل الخبر صدفة إلى أحد العارفين أو يرى البوليس آثار النار فيبادر إلى استدعاء المطافئ بالتليفون، وهل من تليفون في تلك الأحياء وضواحيها؟ على كل حال نرجو من الحكومة أن تهتم لهذه المسألة فتتلافى ما ينتج عنها من الأذى والخسارة. ليس من المعقول أن تظل النار متزايدة مدة ساعتين تقريبًا في شارع يحسب مجاورًا لمركز رجال المطافئ. فإذا جهل سكان الأحياء الوطنية كيفية استدعائهم عمال المطافئ فلا بد من إيجاد وسيلة سريعة تساعد على تدارك الخطر.
وقد لاحظنا كذلك أن عربات المطافئ كانت متباطئة قليلًا في سيرها بسبب ظلام الشوارع وخوفًا من أن تصادم أحد المارين. فلماذا لا يستعمل في مقدمة كل منها مصباح كهربائي. كمصباح الأوتوموبيلات يمتد إلى بعيد فترى ماذا يجري في أقاصي الشارع أمامها ويساعدها على الإسراع لأن التأخر لحظة واحدة في مثل ذلك الحين قد يأتي بأضرار فادحة لا تعوض.