قلَّما يقضي كاتب شهير في الغرب دون أن يكون لموته أسًى في بلادنا، فإن آدابنا العربية قد امتزجت بالآداب الغربية حتى كادت تصير نسخة منها، فأكثر الكتب التي نتداولها الآن لدينا منقولة عن لغات الإفرنج، ومعظم مقالاتنا تستند إلى أبحاثهم، كما أننا إذا أردنا تأييد فكر عصري أو إثبات رأي حديث استشهدنا بأقوالهم وبمصنفاتهم، أما الروايات التأليفية فاسم عندنا بلا مسمى، وإذا استثنينا الروايات الهزلية باللغة العامية فكل ما نراه على مسارحنا من الروايات مترجم عن لغات الأجانب، وعن الفرنساوية بنوع خاص.
بين التلغرافات الكثيرة وأخبار الحرب التي لا تكاد تترك في الصحف مكانًا لأخبار غيرها، برقية مُؤلَّفة من كلمات أربع تنبئ بوفاة جورج أُوهنة الروائي الفرنسوي، وإذا عرفَتِ الخاصَّة عندنا هذا الاسم فإن العامة لا تعرف إلا اسم رواية من قلمه، طالما مُثِّلت على المراسح المصرية.
ولد جورج أُوهنة سنة ٤٨، وكانت فيها فرنسا معذبة بتنازعها بين الملكية والجمهورية والإمبراطورية، وقد تغلبت الحكومة الأخيرة فكانت إمبراطورية نابليون الثالث، وكأنَّ قلق فرنسا في تلك الأيام أَثَّر في نفس الطفل تأثيرًا جعله يشب ويترعرع ناظرًا إلى ما حوله بعين نافذة تتفهم أحوال البشر، ويستجوب آلام الاجتماع، فكتب ثلاثًا وثلاثين رواية لكلٍّ موضوعها الخاص، ولكنها مربوطة جميعًا فيما بينها بعنوان عام يجعلها أشبه بسلسلة تتصل بفكره العميق، والعنوان العام لرواياته هو «معارك الحياة»، وظهرت آخر واحدة منها في شهر فبراير من سنة ١٩١٤ اسمها «العشق يأمر!»، وقد خلفت «معارك الحياة» في ذلك العام معارك الجيوش في ساحات القتال.
أما روايته المعروفة في هذا القطر فهي رواية «صاحب معامل الحديد» أو رواية «العواطف الشريفة».