حياة البشرية بأجمعها تبسم في بسمة الطفل، وأنفاسه العطرة تبعث القوة إلى محيطه، وفي نور عينيه تنشر صحيفة أماني الإنسانية ووعودها، وكأن نضرته وثيقة تضمن للذراري عيشًا رغيدًا وعمرًا طويلًا.
الكهولة والشيخوخة يوم الأمة وأمسها القريب، فلئن ألقت مظاهر الانحطاط عندهما في نفس الرائي عاطفة مبهمة يطفو عليها الأسف وبعض الاشمئزاز، فإن مشهد الطفولة العليلة يوهم بأن الرجاء في ضلال والانتظار في خذلان، كأن المستقبل قد عزم على إخلاف عهوده مع الأسرة والأمة جميعًا، الطفل رمز المستقبل وصورته، وكل طفل ولي عهد من نوعه؛ لأنه إنما به يمتد عمر الأسرة والأمة، فكيف تعقد الآمال على الأطفال إذا سُمِحَ للمرض أن يفتك بجانب منهم ويترك الجانب الآخر فريسة الضعف والتقهقر، بل كيف تنشد الرقيَّ شعوبٌ أطفالها سقيمة خائرة؟ وهل للقوة والإرادة والنشاط والعزم وحب العمل مكان في جسم تراخت منه الأوصال يملأ صاحبه النهار شكاية والليل أنينًا؟
آه لو أتقنت الأمهات تربية جيل واحد فحسب؛ لخفت وطأة الوراثة، ولا أعني الوراثة القريبة التي كثيرًا ما تتملص منها الذرية المباشرة بفعل المقاومة والوقاية، وإنما أعني الوراثة المتقطعة أو الرجعية ذات المباغتات المدهشة في حياة الأفراد والجماعات، ولو أتقنت الأمهات تربية جيل واحد لانحلَّ نصف المشاكل الاجتماعية، ولأصبح التهذيب الأخلاقي ميسورًا للجميع؛ لأن في فنِّ حفظ الصحة تكاد تنحصر جميع الوصايا الأخلاقية لمن فهم من الفن لُبَّه، ولأن الطبيعة قد أحكمت الرابطة بين النفس والجسد فصار تفاعلهما الواحد في الآخر أمرًا مقضيًّا.
يذهلني أن المرأة تتعلم كل فنٍّ قبل مزاولته، وتهمل الفن الجوهري الأكبر من وقاية الأطفال وتهذيبهم، وا أسفاه! إنها لا تتعلمه إلا بأولادها فتشتري علمها بأغلى ثمن! وقد لا تملك ناصية الاختبار إلا بعد فوات الوقت إذ يكون الموت قد أخذ الصغير أو يكون المرض قد نفث سُمَّه في أعضائه وهيَّأ له حياة تعسة، وطالما بحثت في سري عن وسيلة لتعليم الأمهات في الوقت المناسب، وها أني أرى في سلسلة كتبك عن الأطفال وسيلة حسنة نافعة، فلا عجب إذا عكفَتْ على دراسة هذه الكتب المنسقة المكتوبة بأوضح عبارة وأسهل أسلوب كلُّ أُمٍّ مصرية ومتمصِّرة، ولقد حُقُّ على الرجل الذي أُعطِيَ علم الطبيب ومهارة الخبير، وبراعة الكاتب، وغيرة الوطني، وإقدام المصلح، لقد حُقَّ على هذا الرجل الذي يُدعَى «الدكتور نظمي» أن يعتني بالطفل المصري عناية مُثلَى فيضع المشروعات الخيرية لرعايته إذا كان فقيرًا، وينشئ لوقايته وتدبير صحته هذه الكتب الجميلة القيِّمة.
فإن أنا شكرت لك تفضُّلك بإتحافي بكتبك: «تربية الأطفال، تمريض الأطفال وأمراض الأطفال» شكرًا خصوصيًّا، فإن لديَّ ما يفضُلُ هذا، وهو الشكر العمومي الذي تستحقه خدماتك الجليلة العديدة، وهذا الشكر أُسدِيهِ الساعةَ بصفتي فردًا من جماعة وجزءًا من كل.