المناسبة: كتبت مي هذا التأبين يوم غرق السفينة لوزيتانيا سنة ١٩١٥.
أسمعت ما طيرتهُ عنك البروقُ وما قالته فيك الأنباء؟ لوزيتانيا! أَبَلَغَكِ ما بلغنا وتعرفت ما يكتبون؟
قولي! هل تمرَّدتْ أرواح الكهرباء في الفضاء وثارت قوات العناصر في أعماق السماء، أم هجمت أسدُ البحر على الأسلاك الممدودة تحت الماء طالبة من معارف البشر لداء خفي شافي الدواء؟
قولي! أسمعتِ بما أذاعته عنكٍ الأنباء؟
لوزيتانيا، أجيبي! أنتِ التي خضعت لها رقابُ الأمواج أعوامًا، ولثمت المياه قدمها شهورًا وأيامًا، أنتِ التي ذاب لحر أنفاسها جليد البحار القاصيات، وابتسمت لقدمها شموس السواحل الدانيات، أيتها الهازئة بهيجان العواصف وثورات اللجج وغضب البراكين، يا صلة العمران النبيلة بين العالمين، لوزيتانيا! يقال إنكِ غارقة، يا ذات الدلال السائر، ويذاع أنك هابطة، يا قاهرة العنصر القاهر، أصحيحٌ ما يقولون وما هم مذيعون؟ أتقعين صريعة نيران الجبَّار العنيد؟ أتتضاءل منكِ القوى إزاء بطشه فيذوب منكِ حتى صلب الحديد؟
أنتِ التي قطعت المسافات الشاسعات ببسالة باسمة، وملأت وحشة البحار الواسعات بزفرات الحياة وأصواتها، أنتِ الآملة بكل شيء لأنكِ يائسة من كل شيء، أيتها المرأة المتنمِّرة، كيف لم تجيبي على صواعق الإنسان بصواعقك المنتقمة؟
لوزيتانيا! لوزيتانيا!
ألا تذكرين يوم غادرتِ العالم الجديد تحملين للأجسام طعامًا وتنقلين للنفوس غذاء، وتمثال الحرية يحييكِ بقبسه المحيي ويتمنى لكِ سفرًا سعيدًا؟ يوم شيعتكِ أنظار وقلوب وقد أودعتكِ أموالًا وأسرارًا وأرواحًا غاليات، ألا تذكرين؟ كيف لم تصوني وديعتك سائرة بها إلى مرفأ الأمان سالمة؟ كيف لم تحرصي على ما ضممتِ إلى قلبكِ، أيتها العاشقة الصامتة؟
لوزيتانيا! لوزيتانيا! لقد ذقتِ رعشة الموت، يا ضحية الحياة! وعرفتِ طعم الأبدية، يا أثر الفكر الزمني!
في أحضان المياه الدامسة حيث لا شموس ولا كواكب ولا أقمار، حيث تتموج في الهاوية من العناصر الاسوداد والاخضرار، حيث لا يركز سوى دمدمة العواصف الهائجة على صفحة الماء، ولا صوت غير صدى الصواعق المنبثقة من جبين الأفق على وجنة الغبراء، حيث تمرُّ أفكار البشر على الأسلاك البحرية صامتة، حيث لا كلام، ولا أنين، ولا نواح، ولا إنشاد، في أحضان المياه الغُدافية، في الهاوية المرعبة، هناك تندثرين، تندثرين في كهوف نبتون السائلة، وفيها تقطنين.
هناك تضُمِّين إليكِ وديعتك التي لم تستطيعي صيانتها في الحياة فتكونين في الردى لها من الصائنين.
هل من دمعة تصل إليكِ مخترقة مياه البحار؟ هل من قُبلَة تهبط نحوكِ مداعبة ما لديكِ من الأسرار؟ لكن قد كفَّنكِ السكوت الدائم والجمود المتحرِّك الذي لا قبلات لديه، ولا دعابة ولا عَبَرات؟
لوزيتانيا! لوزيتانيا!
سوف ينتقم لكِ البشر من البشر، سوف يقيم التاريخ لكِ ولأخواتكِ هياكل تحيَيْنَ فيها كالآهات، سوف تُنظَمُ لكِ الأناشيد وتعزف لذكركِ طروب الآلات، لوزيتانيا! لوزيتانيا!
وإذا سُئِلْتِ في أعماق الهاوية عن الإنسان الذي أبدعكِ واستخدمكِ فقولي إن مقاصده شريفة وآماله عظيمة، قولي إنه أحبكِ وبكاكِ، وإذا سألتكِ أرواح العناصر مذهولة: إذًا كيف فتك بكِ؟ فأجيبي أن الذي قضى عليكِ ليس التحالف المُلقَّب بالإنساني، بل الجبير المنعوت بالجرماني.