حكمة اليوم في مذكرتي تقول إنَّ الدَّعَةَ أقدرُ من الحدَّةِ، كما إن أعظم الدهاء يكون أحيانًا في البساطة.
كيف أُشفقُ على الذي يبدد ألمه في الشِّكَاية والتظلُّم فلا يبقى منه ما يستدعي الشفقة؟ كل شفقتي تتجه إليكَ أنت الذي لا تشكو مع أنَّ ألمك صامتٌ لا حدَّ له ولا نهاية.
هل من سبيل إلى حل عقدة تستوجب القطع، وكلَّما لمستها علمت أن خيوطها من نِيَاطِ قلبك؟
لا يُضعِفُ الثناء والطعن كالكلام الحماسي والتبجيل في ما هو عادي والكلام الفاتر في ما هو عظيم جليل.
تتهيَّب المرأة أمام مقدرة الرجل لاعتقادها أنه أبرع منها في الإلمام بالأمور من جميع جهاتها، فما أشد خيبتها يوم ترى الرجل الذكي الحساس لا يدرك ولا يريد أن يدرك من الحسنات والسيئات إلا وجهًا واحدًا فقط!
كم نتذرَّع بالذكاء والعلم لنقول كلامًا سخيفًا «بأستاذية»!
من خساسة النفاق أنه يتكلم بلهجةٍ تُحاذي الصدق ويتلوَّن بلون الواقع المحسوس.
أليس من المدهشات أنَّ مظاهر الباطل أقدر في الإقناع أحيانًا من مظاهر الحق؟
كنتُ أَحسَبُ الباطل مُركَّبًا مُعقَّدًا والحقَّ بسيطًا واضحًا، أما الآن فقد بدأتُ أرتابُ وأتساءل؛ لماذا ترى الناس أقرب ما يكونون إلى اعتناق الباطل؟
لا تلمس الحق البسيط الجليَّ إلا النفسُ البصيرة الرفيعة.
تُرى أيُّ صدقٍ وأيُّ حقٍّ يُظهر براءَتَكَ أمام أناسٍ وطَّدوا النفس على تجريمكَ والحكم عليك؟
الألم الكبير تطهير كبير.
أخرجُ من بعض الاجتماعات شاعرةً بأنَّ الناس أخذوا مني شيئًا كثيرًا أقضي أسابيع في الاستيلاء عليه من جديد دون أن أعرف ما هو.
ليس ما يَحمِلُ على تقدير الحياة وحُبِّها كشهامة الرجل الشهم.
يُخيَّل أحيانًا للمتأمل باستئثار المرتبة والمجتمع أن الفرد آلة لهما، لا، إنَّهما للفرد ومنه.
القلب الكبير الذي يحوي العالم يضيق بالقلب الصغير يوم يزعم هذا السيطرة عليه وتنظيم عمله.
لا يتيسَّر التساهل مع القلوب المحدودة، والعقول الصغيرة، والمقاصد الركيكة إلا وهي بعيدة.
بعض الباحثين طويلًا عن كلمةٍ ظريفة يفاجئون بها العالم — لا ينقصهم ليكونوا ظرفاء إلا أن يكونوا ظرفاء.
ما أثمن نصيحة صديقك المخلص الحكيم عندما تشط عن طيش أو عن قلة مبالاة!
ألقى رومانيٌّ شهيرٌ إلى الجاهل بهذه النصيحة: “Vidi, Audi, Taci” «انظر، واسمع، واسكت!» ، والذي يفهم هذا ويحقِّقُه في حياته لا يكون جاهلًا، بل هو العليم الحكيم.
أجل، لكلٍّ منا حقٌّ على الحياة والحرية والراحة، ولكن ليس على راحة الآخرين ولا حياتهم ولا حريتهم.
الاختبار والعلم يصقلان العبقرية، ولكن لا يقومان مقامها.
للنبوغ مؤمنون وكافرون.
لو أُرغمتَ على قبول أحد الثلاثة فأيهم تختار: الذي يعاديك علنًا ويرجمك صراحًا مؤوِّلًا كل حسنة فيك ومنقصًا لك كل فضل؟ أم العدو المتقمص بثوب الصديق الذي يدسُّ وراء كل ثناء ظاهر ضِعفَهُ من الطَّعن؟ أم الذي يبدأ بالثناء عليك أجمل الثناء ليصدِّق الناس بعدئذٍ افتراءَهُ بحجة ذلك الثناء المضلل؟
بين أحد الشعانين — أي يوم الاحتفاء العظيم بدخول المسيح إلى أورشليم — وبين الجمعة العظيمة — أي يوم صَلبِهِ على خشبة العبيد — أربعة أيام لا غير!
قبل أن تُمزِّقنا ظلمًا أظافرُ الحياة نشفق على الذين يموتون ونحسبهم محرومين من جمال الكون وهناء العمر، وبعدئذٍ، بعدئذٍ يوم تقسو الحياة على شبابنا وقلوبنا وأفكارنا وآمالنا نغبِطُ الذين مضوا ونعلم أنهم من المختارين المحبوبين.
الألم محسنٌ كبير؛ لأنه يجرِّدنا من الغرور والدعوى.
يحسب بعضُهُمْ أنَّ السدود التي يجتهدون كثيرًا في إقامتها تكفي لإطفاء نور الشمس وتضييق رحاب الفلك.
ما أشقى المحسود وما أحراه بالعطف! وما أشقى الحسود وما أحراه بالعطف!
في المُعذِّب والمُعذَّب لا تجد إلا الإنسانية المتسلِّقة طريق جلجلتها راسفةً في القيود، دامية الجراح، وفي صميم قلبها عتاب للحياة التي لم تسمح أن تكون صالحة كما كانت تودُّ أن تكون.
سؤالٌ صغيرٌ كنت أعيده على نفسي يومَ كنتُ أستمع على مقاعد المدرسة للكاهن الصالح الذي كان يشرح لنا التعليم المسيحي، وما زلت أُردِّدُه اليوم بلجاجة أشدَّ وحرقةٍ أعمقَ: لماذا يخلق الله الأشرار؟
لو كانت السعادة متعلقة بشأن أو شأنين من شؤون الحياة لتيسَّرت لجميع الناس دهرًا بعد دهر، ولكنها — كالشقاء — تتألف من جميع عناصر الحياة، ووَقْعُ كُلٍّ من تلك العناصر يختلف باختلاف الأمزجة؛ لذلك تجد البحث عنها متواصلًا والتساؤل عنها متجددًا في كل قلب ينبض ويتألَّم.
جبَّارٌ هو ذاك الذي يكون شعاره في الحياة: «سأتألم، ولكني لن أُغلَب!»
كلَّا، كلَّا! لا ظلام في الحياة، وإنما هي أنظارنا الكليلة التي تعجز عن مَرْأَى النور في أبهى مجاليه.