الكاتب: إبراهيم عبد القادر المازني
الناشر: جريدة البلاغ
تاريخ النشر: 7 يناير 1934
هاتِ اسقني سلوةً عن الذكر |
أنسى بها ما مضى من العمرِ! |
هات اسقنيها وخلِّ نشوتها |
تمحو الذي في الفؤاد من صورِ |
وخذ كنوز العقل وارم بها |
من حالقٍ للرياح والمدرِ |
كم غصت في لجة الحياة فما |
فزت بغير الصخور والحجرِ |
وكم نفضت اليدين من حجر |
حسبته درة من الدررِ |
ما ضرني لو جهلت ما علمت |
نفسي وما قد أفادني نظري؟ |
أو لو نسيت الذي شعرت به |
في كبري الآن لدن صغري؟ |
أو لو سلوت الذي كلفت به |
على الذي كان فيه من سَكَرِ؟ |
أَثَمَّ صوت تعيد نبرته |
إليَّ ذكرى الربيع والزهرِ؟ |
أَثَمَّ عين تثير نظرتها |
أحلام نفسي في ريِّق البكرِ؟ |
وتنشر اللذة المضيئة لي |
حُلمًا من العيش جد مبتكرِ؟ |
نعم لعمري في الأرض زينتها |
من مسمع فاتن ومن نظرِ |
وروضة العيش جد حالية |
من زهر مونق ومن ثمرِ |
كأنها لافترار بهجتها |
تحير نطقًا لمدمن البصرِ |
واها لقمريِّها إِذا اتسقت |
أسجاعه واستراح للسحرِ |
واها لسحر في لحظ نرجسها |
يسطو بوقع السجو والفترِ |
واها لأيكاتها إِذا همس |
النسيم في أذنها مع القمرِ |
لكن أغصانهن يا أسفًا |
بعيدة من منال مهتصرِ |
أُصِبت في العزم لا الشعور فإِن |
أدرت لحظي في الشيء لم يدرِ |
وإِن مددت اليدين خانهما |
عزم الشباب الجريء ذي الأشرِ |
يذعرني الشيء كان يجذبني |
لشد ما أستجير بالحذرِ |
أحمل عبئًا من السنين فما |
عسى وراء الغايات منكدري؟ |
ولي من الذكريات حاشية |
في حيث أمضي — محشودة الزمرِ |
فهاتها إِذ عرا الشجون بها |
حتى أراها تطير كالشررِ |
لِمَ لا أبت الذي يقيدني |
بما مضى وانقضى من العصرِ؟ |
إني أراني قد حلت وانتسخت |
مع الصبى سورة من السورِ |
وصرت غيري فليس يعرفني |
— إذا رآني — صباي ذو الطررِ |
ولو بدا لي لبت أنكره |
كأنني لم أكنه في عمريِ |
كأننا اثنان ليس يجمعنا |
في العيش إلا تشبث الذكرِ |
مات الفتى المازني ثم أتى |
من مازن غيره على الأثرِ |
نضب العزم — والمنى ثرة العين |
لعمري ما أسوأ القرناء |
شيبة العزم مع شباب الأماني — |
أضعيف يظاهر الأقوياء؟ |
دون ما تبتغي حوائل ضعف |
فاجعل العزم والمنى أكفاء |
أيها الطين ما ترى بك أبغي؟ |
لست فيما أرى لشيء كفاء |
إِن طلبت السماء قلت لي الأرض، |
أو الأرض كنت لي عصاء |
صرت حتى الذي أفكر فيه |
لست أسطيع صوغه والأداء |
تبًّا لذلك من حسن! ووا أسفًا |
عليه من مستعار ثم مردودِ |
عطية الحب هذا الحسن فاتئدي |
ولاتتيهي بحبي فهو مجهودي |
ولست أهلًا لإمتاع برونقه |
إن راح معناي فيه غير موجودِ |
إِن الرياض رياض بالشعور بها |
ولسن سيين في العمران والبيدِ |
والحسن حسن بأن تهواه أفئدة |
أو — لا — فذلك موجود كمفقودِ |
فمن أحب فقد أهدى لصاحبه |
حسنًا وسربله سربال منشودِ |
وليس فضلك إِلا أن لي كبدًا |
تهوي إِليك بأسراري ومشهودي |
أرى رونق الحسناء في ميعة الصبا |
فيوضع بي شؤم الخيال ويعنقُ |
ويشهدنيها في التراب مرمة |
وقد غالها غول الحِمام الموفقُ |
صور ضنت على العيون بلحظها |
أمسيت أوقرها من البوغاء |
ونواظر كحل التراب جفونها |
قد كنت أحرسها من الأقذاء! |