الكاتب: إبراهيم عبد القادر المازني
الناشر: جريدة البلاغ
تاريخ النشر: 8 سبتمبر 1934
أعجب للحظ هل مقسِّمه |
أراده — ويحنا — أعاجيبا؟ |
أجزل من سهمة الرجاء لنا |
فكل شيء نراه مطلوبا |
لكنه قد أخس قدرتنا |
ياليت ما شاء كان مقلوبا! |
غنى أمانٍ، وفقر مقدرة، |
فلن ينال الفؤاد مرغوبا! |
ملت العين أن ترى كل يوم |
غصنًا يانعًا يعود أباءَ |
ملت الأذن كل لفظ حبيب |
تفتريه المنى عليها افتراءَ |
لست أبكي على عهودي، فسيان |
دنا ذكرها بها أو تناءَى |
أبدا أفتح النوافذ من روحيَ |
للشمس وهي تغري الغِماءَ |
لا رجائي مساوم عزماتي |
لا ولا الخوف مورثي استخذاءَ |
أتلقى الذي يجيء به الدهر |
وأقنى تجملًا واجتزاءَ |
وأحاشي زرع الفيافي، وقديمًا |
خاب من بات يرتجي الصحراءَ |
غير أني وإِن سكنت إِلى اليأس |
لأخشى من يأسي استشراءَ |
ربما قَرَّ زَاخِرُ اليم حينًا |
ثم آضتْ أمواجه هوجاءَ |
مثلما سادت السكينة في الحومة |
والقوم ينتوون اللقاءَ |
ولعل الحياة أهول ما تمسي |
إِذا ساق صبحها البشراءَ |
قلت: «ما خير أن أظل حياتي |
أتقصى وجوه استقراءَ؟ |
أنا هذا الذي أحس، وهذا |
كل ما قد وسعته استقصاءَ |
أنا كون يحس، أو صرخة بين |
سكونين، أُسْكِنَا طخياءَ |
أنا ظل ألقته سحب ينازعن |
— على ربوة الحياة — الضياءَ |
أنا سهم مضى من الغابر الفاني |
إِلى المقبل إِليهم مضاءَ |
أنا ضوء الشهاب تومض ناري |
وهي تجتاز هذه الأجواءَ |
لست أدري هذا الفضاء لماذا |
كان للناس والوجود كساءَ |
وأرى النجم طالعًا ثم يخفى |
وأرى الصبح يعقب الظلماءَ |
وأرى اليم لا يزال له مد |
وجزر قد أرهقا الأشطاءَ |
وأرى للفصول كل حول |
دورة لا تحاول استثناءَ |
كل شيء أراه ينبئ أن الكون |
لا شك ملهم أشياءَ |
آية الوحي ليس تخفى ولكن |
سرها السر أعجز الحكماءَ |
ما نصيبي من كل ما تأخذ العين؟ |
وهل من يقسم الأنصباءَ؟ |
أترى حسنًا سواء وحسن الكون |
وتجلو لألاءهن جلاءَ |
أترى القدرة التى تقدح الصبح |
مضيئًا وتنسخ الظلماءَ |
وتثير النسيم فينًا عليلًا |
وتسيل الدجنة الوطفاءَ |
وتذيع العبير فى زهر الروض |
وتشجى حمامه إشجاءَ |
وتضىء الشموس فى ظلمة الكون |
وتجلو لألاءهن جلاءَ |
ومن الصخر تفجر الماء أنهارًا |
وما العهد أن فيه سخاء |
وتربي جرثومة الخير في الأكوا |
ن طرًّا، وتنضج الآراءَ |
غير تلك المنايا التي أياديها |
فليست تزل إِلا التواءَ؟ |
تسعر النار في الجوانح، والحرب |
وتوري الأحقاد والبغضاءَ؟ |
ضلة لامرئ يحاول أن يجلو |
سرًّا يأبى علينا الجلاءَ |
كلما أرسل الفتى سهم فكر |
زاد خبرًا بعجزه وابتلاءَ |
مثلما طخطخ الظلام فأبدى |
هوله ومض بارق قد أضاءَ |
فدعيني أغشى الغمار وأضحي |
قبل أن يسدف المغيب العشاءَ |
ودعيني أرعي الهواتف سمعي |
قبل أن يملك الردى الأرعاءَ |
عصب الريق فاسقني قبل أن |
أُسقى بكأس تذكي الحشا إِذكاءَ |
وانظمي لي من الورود أكاليل |
وأحيي بنفحها الأهواءَ |
قبل أن يمضي الربيع ويلوي |
بي وبالزهر دهرنا إِلواءَ» |
قالت النفس: «هل ترى الأرض |
قد عادت فراديس لذة — غنَّاءَ؟ |
عيش حلالها غرير، فمستذر |
بأمن، ووداع أحشاءَ؟ |
تسع النفس مثلما تسع الجسم |
فما تستضيق فيها فِناءَ؟ |
وترامت آفاقها فالأماني |
ليس تبغي وراءها أرجاءَ؟ |
زخرت أبحرًا، وقرت صخورًا |
وسجت أعصرًا، ورقت هواءَ؟ |
وأبى اللحظ أن يُمدَّ وأن يأخذ |
إِلا ريحانَها والأضاءَ؟ |
وأبى القلب أن يزايل طودًا |
مشمخرًّا لا يتقي إِيهاءَ؟» |
قلت يا نفس …………… |
………………………… |
إِن هذي الحياة صحراء سوء |
نقطع الشرخَ قبلها والفتاءَ |
ويغر السراب فيها ويُغري |
فنُغذ الإِدلاج والإِسراءَ |
سَربَخٌ بعد سربخٍ، وسُهوب |
دون أخرى، وما بلغنا الماءَ؟ |
وجحيم من فوقنا، ووطيس |
تحتنا، يوسعاننا إِحماءَ! |
ليتنا كالحديد نُصلَى لنُمهى! |
غير أنَّا نُصلى ولا إِمْهاءَ! |
ولعمري الواحات كُثْر، ولكن |
من تُرى مُبدلي ضلالي اهتداءَ؟! |
أنا في فُدفُدٍ مُضلٍّ، وأخلقْ |
بي أن أخطئ الطريق السَّواءَ |
والهدى والضلال أقرب شيئين |
ابتداءً، منا، وأنأى انتهاءَ! |