الراكب خير من الراجل — أعني أنه أعلى — والاستعلاء يُشعر المرء أنه أقوى وأقدر، ويُدخل في وسعه أن يصوب عينه إلى ما هو تحته، والفرق ذراع — أو ما هو دون الذراع — ولكنه على ضآلته تمييز كافٍ، يصبح به واحد «فوق» وواحد «تحت»؛ فهذا مرفوع وذاك مخفوض، والذي هو أعلى يَشْرُفُ على الذي هو أدنى، ويراه تحته، والخفيض يرفع عينه إلى الرفيع ويحس بشيء من قلة الاتزان وهو يفعل ذلك. وذراع من النسيج لا يصلح ثوبًا ولا لطفل، وذراع من الخيزران أو غيره من ضروب الخشب لا يكفي أن يكون عصا يُتَّكَأُ عليها وتطول بها اليد، ولكن العلو — مقدار شبر واحد — وإن لم يكن شيئًا في ذاته، يدير في النفس معاني لها أثرها في المظهر والسلوك والاتجاه.
والاستعلاء في الحرب حصانة، والطول في الرجل عزة، أو هو على الأقل مظهر وفاء في النمو، وتمام في الخلق، فالقصر — على هذا — نقص في كليهما وعجز، وقد لا يشعر المديد القامة بذلك، ولا يجري في نفسه هذا الخاطر لأنه لا يتكلف شيئًا يضايقه ولا يتجشم عناءً حين يخاطب الناس، ولكن القصير القميء يحتاج أن يرد رأسه إلى الوراء وأن يباعد ما بين قدميه ليثبت على الأرض حين يكلم من هو أطول منه، وليس في وسع القصير حين يماشي طويلًا أن يمشي كما يمكن أن يمشي وهو وحده أو مع أنداده — وعينه إلى الناس أو الطريق — لأن المثابرة تغري بالحديث، والحديث مع الطويل يُحْوِجُ القصير إلى رفع رأسه ليسمعه؛ فهو لهذا لا يزال مضطربًا بين أمور شتى يعاني منها كلها ما يُثْقِلُ عليه؛ ذلك أن عليه أن يحفظ توازنه وهو يمشي ورأسه إلى فوق، وأن يتقي أن يصطدم بالناس أو الأشياء، أو أن يضع قدميه على زحلوقة، أو غير ذلك مما لا بد للسائر من ملاحظته، ثم إن عليه فوق ذلك أن يكون طرفًا في حديث يتقاضاه شيء من الانتباه والتفكير وقدر من حسن الأداء، وهذه المشقات — على تفهها — تلفته إلى عيب القصر ومزية الطول.
لهذا يسرني أن ألقى الناس وأنا راكب — فإني قصير — وأن أحدثهم وهم جلوس، ليقل الفرق الذي بيني وبينهم؛ ومن هنا كرهت المشي إلا مع من هم أدنى مني إلى الأرض؛ ليسعني أن أضع كفي على كتف الواحد منهم، كأنه ابني، ومن هنا أيضًا كرهت الزحام لأني أغيب فيه، ونفرت من مواقف الخطابة لأن الخطيب الذي يحتاج إلى كرسي يقف عليه ويضيف ارتفاعه إلى قامته، لا يمكن أن يكون إلا مغريًا بالضحك، والتأثير هو مطلب الخطيب، ولا سبيل إليه إذا لم يكن مالئًا للعيون على الأقل إذا أعياه أن يملأ الصدور أيضًا. ولكن هذا الشعور الثقيل الذي يوحيه القِصَرُ إلى النفس كثيرًا ما يكون مصدر قوة؛ لأنه يدفع المرء إلى تعويض النقص الذي مُنِيَ به، كما هي العادة، ولكن الشرط أن يثقل الإحساس بالنقص على النفس وأن يشق عليها احتماله، فيكون ذلك مغريًا لها بالتماس العوض من طريق آخر؛ ومن هنا قالوا إن القصار أدهى من الطوال، وليس هذا بصحيح في كل حال، ولكنه صحيح في الأغلب والأعم بسبب ما ذكرنا من الرغبة الطبيعية في تعويض النقص.